وللثّالث : بأنّ أصالة الصّحة كما تقضي بكون الفعل هو الفرد الصّحيح ، كذلك أصالة عدم البلوغ مثلا تقضي بكونه هو الفرد الفاسد منه ، فكلّ منهما معيّن ظاهريّ لأحد الموضوعين الضدّين ، وهذا بخلاف أصالة الفساد ؛ فإنّها إنّما تقتضي مجرّد الفساد وعدم ترتّب الأثر ، فلا يعيّن حال الفعل الخارجي فهي بالنّسبة إلى أصالة الصّحة من قبيل الأصل الحكمي بالنّسبة إلى الأصل الموضوعي ، وهذا بخلاف الاستصحابات الموضوعيّة ؛ فإنّها في عرض أصالة الصّحة ، فيحكم إذن بتعارضهما والرّجوع إلى أصالة الفساد.
لا يقال : إنّ أصالة عدم البلوغ لا يقتضي كون البيع صادرا عن غير البالغ ، كما أنّ أصالة الصّحة تقتضي كون البيع صادرا عن البالغ ؛ فإنّ عدم بلوغ العاقد لا يلازم شرعا لكون عقده متّصفا بكونه صادرا عن غير البالغ ، وإنّما يلازم ذلك عقلا بعد فرض صدور العقد عنه على ما هو المفروض ، وإلّا فلا ملازمة بينهما أصلا كما لا يخفى.
ومن المعلوم ـ الّذي مرّ الكلام فيه مشروحا ـ عدم جواز التّعويل على الأصول المثبتة ، فاستصحاب عدم البلوغ لا يقتضي بكون البيع الخارجي صادرا عن غير البالغ ، حتّى يعارض أصالة الصّحة فتنتفي المعارضة إذن بين استصحاب عدم البلوغ من حيث اقتضائه عدم صدور العقد عن البالغ الّذي يرجع في الحقيقة إلى أصالة عدم وجود السّبب الشّرعي ، وأصالة الصّحة ؛ إذ من المعلوم عدم تدافعها ٢١٥ / ٣ لما دلّ على كون الموجود في الخارج سببا ويقتضي سببيّته ؛ لأنّ ما يدلّ على سببيّة الموجود حاكم على ما يدلّ ظاهرا على عدم وجود السّبب الشّرعي ، نظير حكومة ما يدلّ على مانعيّة المذي مثلا على استصحاب عدم وجود الرّافع للطّهارة