ذلك ما عرفت بشكل موسّع في مبحث الضد (١) من أنّ هذا النهي على تقدير القول به لا يكشف عن كون متعلقه مبغوضاً كي لا يمكن التقرب به ، فان غاية ما يترتب على هذا النهي إنّما هو منعه عن تعلق الأمر بمتعلقه فعلاً ، ومن الطبيعي أنّ صحة العبادة لا تتوقف على وجود الأمر بها بل يكفي في صحتها وجود الملاك والمحبوبية.
نعم ، مع فرض عدم الأمر بها لا يمكن كشف الملاك فيها ، إلاّ أنّه مع ذلك قلنا بصحتها من ناحية الترتب على ما أوضحناه هناك. نعم ، لو لم نقل به فلا مناص من الالتزام بالفساد.
وقد تحصّل من ذلك : أنّ الداخل في محل النزاع في مسألتنا هذه إنّما هو النهي النفسي التحريمي والنهي التنزيهي المتعلق بذات العبادة ، وأمّا بقية أقسام النواهي فهي خارجة عنه.
الخامسة : لا شبهة في أنّ المراد من العبادة في عنوان المسألة ليس العبادة الفعلية ، ضرورة استحالة اجتماعها مع الحرمة كذلك ، كيف فانّ معنى حرمتها فعلاً هو كونها مبغوضةً للمولى فلا يمكن التقرب بها ، ومعنى كونها عبادةً فعلاً هو كونها محبوبةً له ويمكن التقرب بها ، ومن المعلوم استحالة اجتماعهما كذلك في شيء واحد ، بل المراد منها العبادة الشأنية بمعنى أنّه إذا افترضنا تعلق الأمر بها لكانت عبادة.
وإن شئت قلت : إنّ المراد منها كل عمل لو امر به لكان عبادياً فمثل هذا العمل لو وقع في حيّز النهي صار مورداً للكلام والنزاع وأنّ هذا النهي هل
__________________
(١) راجع المجلد الثالث من هذا الكتاب ص ٣٨٠.