غاية الأمر أنّ دلالته على المنطوق بالمطابقة وعلى المفهوم بالالتزام ، ومن هنا تفترق مسألة المفاهيم عن مسألة الضد ومقدمة الواجب واجتماع الأمر والنهي وما شاكل ذلك ، حيث إنّها من المباحث اللفظية دون تلك المسائل فانّها من المباحث العقلية ولا صلة لها بعالم اللفظ أبداً.
ولكن يمكن أن يقال : إنّها من المسائل العقلية أيضاً والوجه في ذلك : هو أنّ الحيثية التي تقتضي المفهوم وتستلزمه وهي العلية المنحصرة وإن كانت مدلولاً للّفظ وضعاً أو إطلاقاً ، حيث إنّ الدال عليها هو الجملة الشرطية أو نحوها ، إلاّ أنّ هذه الحيثية نفسها ليست بمفهوم على الفرض ، فانّ المفهوم ما هو لازم لها وهو الانتفاء عند انتفائها ، ومن المعلوم أنّ الحاكم بذلك ـ أي بانتفاء المعلول عند انتفاء علته التامة ـ إنّما هو العقل ولا صلة له باللفظ.
وبكلمة اخرى : أنّ للمفاهيم حيثيتين واقعيتين ، فمن إحداهما تناسب أن تكون من المسائل الاصولية العقلية ، ومن الاخرى تناسب أن تكون من المسائل الاصولية اللفظية ، وذلك لأنّه بالنظر إلى كون الحاكم بانتفاء المعلول عند انتفاء العلة هو العقل فحسب فهي من المسائل الاصولية العقلية ، وبالنظر إلى كون الكاشف عن العلة المنحصرة هو الكاشف عن لازمها أيضاً فهي من المسائل الاصولية اللفظية ، لفرض أنّ الكاشف عنها هو اللفظ كما عرفت ، فاذن يكون المفهوم مدلولاً للّفظ التزاماً. وكيف كان فلا يترتب أيّ أثر على البحث عنها من هذه الناحية وإنّما الأثر مترتب على كونها اصولية ، سواء أكانت عقلية أم كانت لفظية ، والمفروض أنّها من المسائل الاصولية لتوفر ركائزها فيها ـ وهي وقوعها في طريق الاستنباط بنفسها من دون ضم كبرى أو صغرى اصولية إليها ـ فلا أثر للبحث عن أنّ الحاكم فيها هل هو العقل أو غيره أصلاً.
الثالثة : أنّ كلامنا هنا ليس في حجية المفهوم بعد الفراغ عن وجوده ، بل