الغاية ، بل لا يبعد أن يقال : إنّ دلالتها على المفهوم أقوى من دلالة القضية الشرطية عليه ، ضرورة أنّه لو لم يدل على المفهوم لزم من فرض وجود الغاية عدمه ، يعني ما فرض غايةً له ليس بغاية وهذا خلف ، فاذن لا ريب في الدلالة على المفهوم في هذا المقام.
وأمّا المقام الثاني : وهو مقام الاثبات ، فالظاهر أنّ الغاية قيد للفعل ـ وهو المتعلق ـ دون الموضوع ، حيث إنّ حالها حال بقية القيود ، فكما أنّ الظاهر منها هو رجوعها إلى الفعل باعتبار أنّه معنىً حدثي كذلك الظاهر من الغاية. وأمّا رجوعها إلى الموضوع فيحتاج إلى قرينة تدل عليه كما في الآية الكريمة المتقدمة حيث إنّ قوله تعالى : ( إِلَى الْمَرافِقِ )(١) في هذه الآية غاية للموضوع وهو اليد لا للمتعلق وهو الغسل ، وذلك لأجل قرينة وخصوصية في المقام وهي إجمال لفظ اليد واختلاف موارد استعماله وهو قرينة على أنّه سبحانه في هذه الآية المباركة في مقام بيان حدّ المغسول من اليد ومقداره ، ومن هنا قد اتفق الشيعة والسنّة على أنّ الآية في مقام تحديد المغسول ، لا في مقام بيان الترتيب ، ولذا يقول العامة (٢) بجواز الغسل من المرفق إلى الأصابع وأفتوا بذلك ، وإن كانوا بحسب العمل الخارجي ملتزمين بالغسل منكوساً ، ونظير الآية في ذلك المثال المشهور : اكنس المسجد من الباب إلى المحراب ، فانّه ظاهر بمقتضى قرينة المقام في أنّ كلمة « إلى » غاية للموضوع وبيان لحدّ المسافة التي امر بكنسها ، وليست في مقام بيان الترتيب ، ومن هذا القبيل أيضاً قوله تعالى : ( وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ
__________________
(١) المائدة ٥ : ٦.
(٢) نقل عنهم الفخر الرازي في تفسيره الكبير ١١ : ١٦٠.