ومنها : ما ذكره شيخنا الأنصاري قدسسره (١) من أنّ التخصيص لا يوجب إجمال العام على تقدير استلزامه المجاز ، ولا يمنع من التمسك به في غير ما خرج منه من الأفراد أو الأصناف ، وقد أفاد في وجه ذلك : أنّ المجاز فيه إنّما يلزم من ورود التخصيص عليه وخروج بعض أفراده أو أصنافه عنه ، لا من بقاء بقية الأفراد أو الأصناف تحته ، ضرورة أنّها داخلة فيه سواء أخصص العام به أم لا. وإن شئت قلت : إنّ المقتضي لبقاء البقية تحت العام موجود وهو عمومه وشموله لها من الأوّل ، فالخروج يحتاج إلى دليل ، فاذا ورد مخصص على العام فقد خرج أفراده عن تحت العام لا محالة ، وأمّا خروج غيرها من الأفراد أو الأصناف عن تحته فهو بلا مقتضٍ وموجب ، حيث إنّ المقتضي للبقاء موجود فالخروج يحتاج إلى دليل وهو مفقود هنا ، وعليه فاذا شككنا في خروج مقدار زائد عمّا خرج عنه بدليل مخصص فالمرجع هو عموم العام بالاضافة إليه ، حيث إنّه لا بدّ من الاقتصار على المقدار الذي نتيقن بخروجه عنه دون الزائد عليه.
وبكلمة اخرى : أنّ دلالة العام على ثبوت الحكم لكل واحد من أفراد مدخوله ليست متوقفةً على دلالته على ثبوت الحكم لغيره من الأفراد جزماً ، فكما أنّ ثبوت الحكم لكل فرد غير منوط بثبوته لغيره من الأفراد ، فكذلك دلالته على ثبوته لكل فرد غير منوط بدلالته على ثبوته لغيره من الأفراد ، والسبب في ذلك واضح ، وهو أنّ المجعول في مقام الثبوت والواقع أحكام متعددة بعدد أفراد مدخوله المحققة والمقدرة ، فيكون كل فردٍ منها في الواقع محكوماً بحكم مستقل بحيث لو خالفه استحق العقوبة وإن كان ممتثلاً للحكم
__________________
(١) مطارح الأنظار : ١٩٢.