بقبح العقاب بدون بيان ما لم يقم العبد بما هو وظيفته من الفحص عن أحكام المولى المتوجهة إليه ، لوضوح أنّه لا يجب على المولى إيصال الأحكام إلى المكلفين على نحو لا يخفى عليهم شيء منها ، بل الذي هو وظيفة المولى بيان الأحكام لهم على النحو المتعارف بحيث إنّهم لو قاموا بما هو وظيفتهم وهي الفحص عنها لوصلوا إليها.
وعلى هذا الضوء فلايكون موضوع أصالة البراءة العقلية محرزاً قبل الفحص ، فانّ موضوعها عدم البيان فلا بدّ في جريانها من إحرازه ، ومن المعلوم أنّه قبل الفحص غير محرز حيث يحتمل وجود بيان في الواقع بحيث لو تفحّصنا عنه لوجدناه ، ومع هذا الاحتمال كيف يكون محرزاً. فالنتيجة : أنّ عدم جريانها قبل الفحص إنّما هو لعدم المقتضي لها ، والفحص إنّما هو لتتميمه وإحراز موضوعها. وعلى الجملة فمن البديهي أنّ العقل يستقل باستحقاق العقاب على مخالفة التكليف المجهول إذا لم يقم العبد بما هو وظيفته من الفحص عن أحكام المولى مع احتمال قيام المولى بما هو وظيفته من بيان أحكامه المتوجهة إلى عبده بحيث إنّ العبد لو تفحص عنها لظفر بها ، ومعه كيف يكون العقل مستقلاً بعدم استحقاق العقاب عليها.
وقد ذكرنا في محلّه أنّه لا تنافي بين هذه القاعدة وقاعدة قبح العقاب من دون بيان ، لاختلافهما مورداً وموضوعاً. أمّا مورداً ، فلأن مورد تلك القاعدة ما كان التكليف الواقعي فيه منجّزاً بمنجّزٍ مّا ، دون مورد هذه القاعدة ، أي قاعدة قبح العقاب حيث إنّ التكليف الواقعي فيه غير منجّز لفرض عدم قيام منجّز عليه. وأمّا موضوعاً ، فلأنّ موضوع تلك القاعدة هو ما قام بيان على التكليف ومنجّز عليه ولو كان ذلك البيان والمنجّز نفس احتماله في الواقع ، حيث إنّه منجّز بحكم العقل إذا كان قبل الفحص ، وأمّا موضوع هذه القاعدة هو ما