الواحد المعيّن عند المتكلم والمجهول عند المخاطب كما في قوله تعالى : ( وَجاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعى )(١) فلا يمكن الأخذ به ، ضرورة أنّ لفظ ( رَجُلٌ ) في الآية لم يستعمل في المعيّن الخارجي المجهول عند المخاطب ، بل استعمل في الطبيعي المقيد بالوحدة من باب تعدد الدال والمدلول ، غاية الأمر أنّ مصداقه في الخارج معلوم عند المتكلم ومجهول عند المخاطب.
ومن الطبيعي أنّ هذا لا يوجب استعمال اللفظ فيه. وكذا الحال في الفعل الماضي أو المضارع أو الأمر كقولنا : جئني برجل أو جاء رجل أو ما شاكل ذلك ، فانّ لفظ الرجل في جميع هذه الأمثلة استعمل في الطبيعي المقيد بالوحدة بنحو تعدد الدال والمدلول ، وإن افترض أنّ مصداقه في الخارج معلوم للمتكلم وغير معلوم للمخاطب إلاّ أنّه لم يستعمل فيه جزماً ، كما إذا أمره باتيان كتاب وكان الكتاب معلوماً لديه في الخارج ولكنّه غير معلوم لدى المخاطب ، لم يستعمل في هذا المعلوم المعيّن خارجاً وإنّما استعمل في الطبيعي المقيد بالوحدة.
فالنتيجة : أنّ النكرة لم تستعمل في المعيّن الخارجي ولا المعيّن عند الله تعالى ، باعتبار أنّه ( سبحانه وتعالى ) يعلم بأ نّه يأتي بالفرد الفلاني المعيّن في الواقع ، بل هي تستعمل دائماً في الطبيعي الجامع ، والوحدة مستفادة من دال آخر. فاذن لا فرق بين النكرة واسم الجنس أصلاً ، فالنكرة هي اسم الجنس غاية الأمر يدخل عليها التنوين ليدل على الوحدة.
ثمّ إنّك قد عرفت في ضمن البحوث السالفة أنّ اللفظ موضوع للماهية الجامعة بين تمام الخصوصيات التي يمكن أن تعرض عليها ، وقد يعبّر عنها بالماهية المهملة التي هي فوق جميع الماهيات كما تقدم بشكل موسّع.
__________________
(١) يس ٣٦ : ٢٠.