وأمّا الانصراف في غير هذين الموردين وما شاكلهما فلا يمنع عن التمسك بالاطلاق ، فانّه لو كان فانّما هو بدوي فيزول بالتأمل ، ومن ذلك الانصراف المستند إلى غلبة الوجود فانّه بدوي ولا أثر له ، ولا يمنع عن التمسك بالاطلاق حيث إنّه يزول بالتأمل والتدبر.
[ الثاني : ] التقييد هل يستلزم المجاز؟ فيه وجهان. بناءً على ما اخترناه من أنّ الألفاظ وضعت بازاء الماهيات المهملة الجامعة بين جميع الخصوصيات الطارئة فهو لا يستلزم المجاز أصلاً ، إذ على أساس هذه النظرية فالاطلاق والتقييد كلاهما خارجان عن حريم المعنى الموضوع له ، فكل منهما مستفاد من القرينة ، فالاطلاق مستفاد غالباً من قرينة الحكمة والتقييد من القرينة الخاصة ، فاللفظ في كلتا الحالتين مستعمل في معناه الموضوع له.
نعم ، استعماله في خصوص المقيد يكون مجازاً كما أنّ استعماله في خصوص المطلق يكون كذلك ، فلا فرق بينهما من هذه الناحية. ولكن هذا الفرض خارج عن محل الكلام فانّ محل الكلام إنّما هو في أنّ تقييد المطلق بقيد هل يوجب المجاز فيه أم لا ، وقد عرفت أنّه لا يوجب ذلك ، وأنّ التقييد مستفاد من دال آخر كما أنّ الاطلاق كذلك.
وأمّا بناءً على نظرية القدماء من أنّ الألفاظ موضوعة للماهية اللا بشرط القسمي ، يعني أنّ الاطلاق والسريان مأخوذ في المعنى الموضوع له فلا بدّ من التفصيل بين القرينة المتصلة والقرينة المنفصلة ، فانّ الاولى تستلزم المجاز لا محالة ، حيث إنّ الاطلاق والسريان لا يجتمع مع التقييد والتضييق. وأمّا الثانية فلا تستلزم ذلك لما ذكرناه في بحث العام والخاص (١) من أنّه لا مانع من أن
__________________
(١) في ص ٣١٨ ـ ٣١٩.