لكان وجود القيد وعدمه سيّان ، وليس المراد منه دلالته على نفي الحكم عن غير مورده كما هو الحال في مفهوم الشرط ، وقد تقدم تمام هذه البحوث بشكل موسّع هناك (١) فلاحظ ، وعلى أساس ذلك فلا مناص من حمل المطلق على المقيد هنا أيضاً.
فالنتيجة : أنّه لا فرق في لزوم حمل المطلق على المقيد بين ما إذا كان التكليف في طرف المطلق متعلقاً بصِرف وجوده أو بمطلق وجوده ، فلا وجه لما عن المشهور من التفصيل بينهما ، وعلى ذلك تترتب ثمرة فقهية في بعض الفروع.
بقي الكلام في الفرق بين المستحبات والواجبات حيث إنّ المشهور بين الأصحاب تخصيص حمل المطلق على المقيد بالواجبات دون المستحبات ، فالكلام إنّما هو في الفارق بينهما ، فانّ دليل المقيد إذا كان قرينة عرفية على التقييد فلماذا لا يكون كذلك في المستحبات ، وإن لم يكن كذلك فلماذا يحمل المطلق على المقيد في الواجبات ، ومن هنا ذكر في وجه ذلك وجوه :
أحدها : ما عن المحقق صاحب الكفاية قدسسره (٢) من أنّ الفارق بين الواجبات والمستحبات في ذلك هو تفاوت المستحبات غالباً من حيث المراتب ، بمعنى أنّ غالب المستحبات تتعدد بتعدد مراتبها من القوّة والضعف على عرضهما العريض ، وهذه الغلبة قرينة على حمل المقيد على الأفضل والقوي من الأفراد.
ويرد عليه : أنّ مجرد الغلبة لا يوجب ذلك بعد ما افترض أنّ دليل المقيد قرينة عرفية على تعيين المراد من المطلق ، ضرورة أنّ الغلبة ليست على نحو تمنع عن ظهور دليل المقيد في ذلك.
__________________
(١) راجع ص ٢٧٨.
(٢) كفاية الاصول : ٢٥١.