الماهية أو لوازمها كانت أيضاً متأخّرة عنه ، فمع ذلك كيف يمكن دعوى تبادرها من لفظ الصّلاة مثلاً؟ » (١).
أقول : ولكن يمكن دفعه بما اخترناه في مبحث الوضع ، وهو أنّ أكثر الألفاظ المستعملة عند أهل اللّغة موضوعة للوجود ( كما أنّه مقتضى حكمة الوضع ) لا للماهية ، وإذاً لا إشكال في تبادر المعنى إلى الذهن بتبادر الآثار ، لوجود الملازمة بين الوجود وآثاره ، لأنّ الآثار من لوازم الوجود ، والإنصاف أنّ الخلط بين المصطلحات الفلسفية والمفاهيم العرفيّة هو الذي أوجب هذه المفاسد الكثيرة في علم الاصول كما مرّ سابقاً.
الثانيّة : أنّ الوجدان حاكم على صحّة إطلاق الألفاظ في المركّبات الخارجيّة على بعض الأفراد الناقصة من دون وجود عناية وتسامح في البين ( نظير إطلاق لفظ الإنسان على الفاقد لعضو من الأعضاء من اليد أو الرجل مثلاً ) مع أنّ لازم دعوى تبادر المعنى الصحيح إلى الذهن كون هذا القبيل من الاستعمالات مجازاً.
والجواب : واضح بناءً على مختارنا في حقيقة الوضع أيضاً ، فإنّا قلنا هناك أنّ الموضوع له إنّما هو المؤثّر ، للأثر ولا إشكال في أنّ الأثر قد يكون أمراً ذا مراتب ، مرتبة واجدة لتمام الأثر ، ومرتبة واجدة لمعظمه ، ومرتبة واجدة لضعيفه ونازله ، والإطلاق حقيقي بشهادة التبادر وصحّة السلب فيما إذا كان العمل واجداً لمعظم الأثر ، ومجاز في ما يكون فاقداً له ، ولا يخفى أنّه كلّما كان إطلاق اللفظ على الفاقد لجزء من الأجزاء أو لشرط من الشرائط حقيقيّاً بلا عناية ومجاز كشفنا منه وجود معظم الأثر ، كما أنّه لا إشكال في أنّ الأثر المترتّب على الصّلاة في ما نحن فيه من هذا القبيل أي ممّا يكون ذا مراتب عديدة ، وحينئذٍ نقول : إنّ إطلاق الصّلاة على صلاة المريض مثلاً حقيقي لتحقّق معظم أثر الصّلاة بها وذلك لحكم الشارع بصحّتها فإنّ حكمه بالصحّة في كلّ مورد يكون كاشفاً عن وجود معظم الآثار كما أنّ حكمه بالفساد كاشف عن عدم وجودها كما لا يخفى.
وبهذا تنحلّ العويصتان المذكورتان بالنسبة إلى دليل التبادر.
__________________
(١) تهذيب الاصول : ج ١ ، ص ٦٠ ، طبع مهر.