كلامه ، ثمّ يتعهّد ثانياً كذلك بالنسبة إلى المعنى الآخر ، لأنّ أحد التعهّدين مناقض للآخر.
أقول : يمكن التعهّد والالتزام بأنّه كلّما استعمل هذا اللفظ أراد أحد هذين المعنيين ، وأمّا تعيين أحدهما بعينه فهو إنّما يكون بالقرينة فلا يلزم حينئذٍ محذور التناقض.
وأمّا القائلين بالوجوب : ( وهو في المقام بمعنى اللابدّية ) فاستدلّوا له بأنّ الألفاظ محدودة والمعاني غير متناهية ولولا الألفاظ المشتركة لوقعنا في ضيق وحرج بالنسبة إلى المعاني التي لم توضع بإزائها ألفاظ ، فلابدّ لنا من المصير إلى الاشتراك.
والجواب عنه :
أوّلاً : إن كان المراد من عدم التناهي ، عدم التناهي حقيقة فلا ترتفع الحاجة إلى غير المتناهي بالمتناهي ولو زيد عليه ألف مرّة كما لا يخفى ، وإن كان المراد منه الكثرة.
ففيه : أنّ الألفاظ أيضاً كثيرة بل تتجاوز مئات الملايين كما يظهر لنا بمحاسبة ساذجة ، بملاحظة ثلاثين حرفاً من الحروف الهجائيّة ( لو فرضنا كونها ثلاثين حرفاً ) وضربها في نفسها ( ٣٠ × ٣٠ / ٩٠٠ ) ليحصل منه التراكيب الثنائيّة ، ثمّ ضرب العدد الحاصل في الثلاثين أيضاً ليحصل به الكلمات الثلاثيّة ( ٩٠٠ × ٣٠ / ٢٧٠٠٠ ) ، ثمّ ضرب العدد الحاصل في الثلاث لإمكان تغيير موضع الحروف الثلاثة وإمكان تصوير كلّ كلمة ثلاثيّة على ثلاث صور ، ( ٢٧٠٠٠ × ٣٠ / ٨١٠٠٠٠ ) وهكذا إلى آخره فيضرب العدد الحاصل في الثلاثين أيضاً ليتشكّل منه الكلمات الرباعيّة ، ثمّ ضربه في الأربع ، ثمّ ضربه في اثني عشر ، ثمّ في الثلاثين أيضاً ، ثمّ في خمسة وعشرين ثمّ ملاحظة كيفية الحركات الثلاثة ( ٨١٠٠٠٠ × ٣٠ / ٢٤٣٠٠٠٠ × ٤ / ٩٧٢٠٠٠٠ × ١٢ × ٣٠ × ٢٥ × ... ) وعليه فلا إشكال في كفاية الألفاظ عن المعاني بل أنّها أكثر من المعاني ، أي تكون القضيّة على العكس ، فيمكن أن يقال : إنّ الألفاظ غير متناهية عرفاً ، والمعاني التي نحتاج إليها في حياتنا متناهية.
ثانياً : سلّمنا كون المعاني غير متناهية وكون الألفاظ متناهية إلاّ أنّ كلّية كثير من الألفاظ بل أكثرها توجب رفع المشكلة لأنّ مورد الحاجة كثيراً ما يكون هو الكلّي وأمّا الجزئيات والمصاديق فترتفع الحاجة إليها بتطبيق الكلّي على الفرد كما لا يخفى ، فإنّا نحتاج إلى وضع اسم لكلّي الحجر أو الشجر أو الدار مثلاً ولا نحتاج إلى وضع لفظ لافرادها بل نتكلّم عنها بتطبيق كلّياتها عليها.