ولنرجع إلى البحث في استعمال المشترك في أكثر من معنى ، الذي له أثرات مهمّة في الفقه والتفسير ، وليس محل النزاع استعمال اللفظ المشترك في القدر الجامع بين المعنيين فإنّه لا مانع منه ولا خلاف فيه ، بل البحث في استعمال لفظ واحد في آنٍ واحد في كلّ من المعنيين في عرض واحد ، كما أنّ النزاع يعمّ الحقيقة والمجاز أو الحقيقة والكناية أي استعمال لفظ واحد في معناه الحقيقي والمجازي أو في معناه الحقيقي والكنائي في عرض واحد ، لعدم كون النزاع مختصّاً بالألفاظ المشتركة ، ولتداخل الجميع في كثير من الأدلّة ، وعليه فعنوان البحث « هل يجوز استعمال لفظ واحد في أكثر من معنى سواء كان من باب الاشتراك ، أو الحقيقة والمجاز أو الحقيقة والكناية؟ ».
والأقوال فيها كثيرة يمكن جمعها في ثلاثة :
الأوّل : الجواز مطلقاً ، الثاني : الاستحالة مطلقاً ، الثالث : التفصيل تارةً بين المفرد والتثنية والجمع ، واخرى بين النفي والإثبات.
وقد ذهب كثير من الأعاظم إلى الاستحالة عقلاً ، بل هو المشهور بين المتأخّرين مثل المحقّق الخراساني والمحقّق النائيني رحمهما الله وغيرهما ، وذهب إلى الجواز في التهذيب والمحاضرات وهو المحقّق المختار.
واستدلّ القائلون بالاستحالة بما حاصله : أنّ استعمال لفظ واحد في المعنيين يستلزم الجمع بين اللحاظين في آنٍ واحد وهو محال.
توضيحه : أنّ حقيقة الاستعمال ليست عبارة عن جعل اللفظ علامة للمعنى حتّى يقال أنّه لا مانع من جعل لفظ واحد علامة لمعنيين أو الأكثر ، بل هو فناء اللفظ في المعنى وجعله وجهاً ومرآة وعنواناً للمعنى ، كأنّ ما يجري على اللسان هو نفس المعنى لا اللفظ ، كما يشهد عليه سراية قبح المعنى إلى اللفظ وبالعكس ، إذا عرفت ذلك فاعلم أنّ استعمال لفظ واحد في معنيين يستلزم كونه فانياً في كلّ واحد مستقلاً ، ومن المعلوم أنّ لحاظه كذلك في معنى ينافي لحاظه في معنى آخر فلا يكون وجهاً لمعنيين وفانياً في اثنين إلاّ أن يكون اللاحظ أحول العينين.