ولكن علم الاصول رغم هذا التوسّع والدقّة والظرافة في طرح المسائل ـ مضافاً إلى التعمق التوغّل في استكناه الحقائق ـ مازال بفتقد للنظام اللازم اللائق في كيفيّة الورود والخروج في المسألة ومنهج عرض المباحث.
ومن جانب آخر : فإنّ الكثير من مسائله لم توضع موضعها الأصلي المناسب ، الأمر الذي يثير مشكلة جديدة على مستوى تحرير محلّ النزاع في المسألة والاستدلال عليها.
ومن جانب ثالث : هناك بعض النواقص والتفريعات الزائدة في هذا العلم الشريف كانت مطروحة في سالف الزمان ، ممّا يُلزم المحقّقين الكرام في الحوزات العمليّة بذل الجهد لرفعها وإصلاحها ، فكأنّ الغواصّين في هذا البحر ( أعلى الله مقامهم الشريف ) على رغم احاطتهم بمسائل هذا العلم وإعمال الدقّة والسعي الوافر في تنقيحها كانوا ـ لشدّة اهتمامهم بالاصول ـ يطرحون في علم الاصول كلّ مسألة مهمّةٍ مرتبطة بالفقه والاستنباط بنوع من الارتباط ولم يبحث عنها في موضعها المناسب ، والذي أثار هذه المشكلة وشدّدها هو التنوّع البالغ والتفريع العجيب للمسائل الاصوليّة ، واختلاف مبادئها العقليّة واصولها النقليّة.
ولكن هؤلاء الأعاظم ـ تغمّدهم الله تعالى في رحمته وعناياته ، وجزاهم الله عن الإسلام وأهله خير الجزاء ـ قد حرّموا علينا التقليد في طلب الحقائق العمليّة ، وأوصونا بأشدّ الجهاد وأوفر السعي لتفعيل هذا العلم وتطويره ، ولذا نستمدّ من المولى سبحانه ونعمل على البحث عمّا في مسائل هذا العلم كما يظهر في رأينا القاصر.
المشهور في تعريف علم الاصول أنّه : « العلم بالقواعد الممهّدة لاستنباط الأحكام الشرعيّة عن أدلّتها التفصيليّة » ، وأنّ موضوعه « الأدلّة الأربعة ». وفي قول آخر : « ما هو الحجّة في الفقه » مطلقاً سواء كان من الأدلّة الأربعة أو غيرها.
إذن ، البحث عن حجّية الأدلّة الأربعة ونحوها بحث في المسائل الأصليّة لعلم الاصول ، كما أنّ البحث عن حجّية ظواهر الألفاظ وحجّية قول اللغوي أيضاً بحث من هذا القبيل ، فإنّ جميعها تقع في طريق الاستنباط ، أي تكون كبرى في القياس الذي ينتج حكماً من أحكام الشرع. نعم ، لا يخفى أنّه قد تقع في كبرى القياس عدّة مسائل اصوليّة معاً ، كمسألة حجّية