مثل المفتاح وهي المفعال إنّما وضعت للشأنيّة والاستعداد القريب ، وأمّا مثل القاتل فإنّما يستفاد كيفية تلبّسها من كيفية استعمالها ، لأنّا إذا قلنا « اجتنب عن السمّ القاتل » يدلّ المشتقّ فيه على الشأنيّة ، بخلاف ما إذا قلنا « زيد قاتل » لأنّه يدلّ على التلبّس بالفعل لا على التلبّس بالشأنيّة كما لا يخفى.
فظهر ممّا ذكرنا أنّ الانقضاء والتلبّس في كلّ مورد بحسبه ، فإذا كان التلبّس بالشأنيّة مثلاً فليكن الانقضاء أيضاً كذلك ، كالمفتاح المكسور الذي خرج من شأنيّة الفتح.
ولعلّ هذا الاختلاف والتفصيل في أنحاء التلبّس وأنحاء المبادىء صار منشأً للخلط والاشتباه في كثير من كلمات القوم ، والأقوال الموجودة في المسألة نشأت منها.
الأمر السادس : إنّ كلمة « الحال » في عنوان البحث ( هل المشتقّ حقيقة في خصوص المتلبّس بالمبدأ في الحال أو فيما يعمّه وما انقضى عنه المبدأ ) يحتمل ثلاث احتمالات :
الأوّل : أن يكون المراد منه حال التلبّس ، الثاني : حال الجري والنسبة ، الثالث : زمان النطق.
أمّا الاحتمال الأوّل : فلا يمكن تصويره إلاّعلى نحو سيأتي بيانه في مقالة المحقّق العراقي رحمهالله ممّا توجب تغيير عنوان البحث فانتظر ، لأنّه لا معنى لقولنا : هل المشتقّ حقيقة فيما تلبّس بالمبدأ في حال التلبّس ...؟
وأمّا الاحتمال الثاني : فيمكن الاستدلال لكونه هو مراد الأعلام بوجوه ثلاثة :
الوجه الأوّل : إنّه لا إشكال في كون الاستعمال في قولك « زيد كان ضارياً أمس » أو « زيد سيكون ضارباً غداً » مثلاً حقيقة لا مجازاً مع أنّ زمان التلبّس فيهما ليس هو زمان النطق ، فلو كان المراد من الحال في العنوان هو حال النطق ، كان المثال الأوّل داخلاً في محلّ الخلاف ، والمثال الثاني مجازاً قطعاً.
الوجه الثاني : أنّ المشتقّ اسم من الأسماء ولا يدلّ الاسم على الزمان كما عليه اتّفاق أهل العربيّة ، فلو كان المراد من الحال في عنوان المسألة هو حال النطق كان النزاع لا محالة في دلالة المشتقّ على زمان النطق وعدمه.
لا يقال : إنّ حال النسبة والجري أيضاً زمان فلا يدلّ عليه المشتقّ.