المقام أيضاً لاختصاص جريانه بما إذا كان المفهوم متعيّناً وكان الشكّ متمحّضاً في سعة المجعول وضيقه كما لو شككنا في بقاء نجاسة الماء المتغيّر بعد زوال تغيّره ، فالمرجع هو استصحاب بقاء النجاسة ، وأمّا فيما لا يتعيّن فيه مفهوم اللفظ ومعناه وهو المعبّر عنه بالشبهة المفهوميّة فلا يجري الاستصحاب فيه لا حكماً ولا موضوعاً (١).
أقول : ما ذكره إنّما يتمّ في الاستصحاب الموضوعي لا الحكمي فإنّ الاستصحاب الحكمي يجري عند تغيّر الأوصاف إلاّ إذا كان الوصف من المقوّمات كالعلم في المجتهد ، فلا يجوز استصحاب جواز تقليده عند زواله ، ففي المثال المعروف في باب الشكّ في المغرب بعد استتار القرص وقبل زوال الحمرة لا يمكن استصحاب عدم حصول المغرب ، لأنّه من قبيل الشبهة المفهوميّة ( الاستتار حاصل والحمرة لم تزل والشكّ في معنى لفظ المغرب ولا معنى للاستصحاب فيه ) أمّا استصحاب حرمة الإفطار مثلاً أو عدم جواز صلاة المغرب فهو جائز بناءً على جريان الاستصحاب في الشبهات الحكميّة ، والقول بأنّ الموضوع فيه قد تبدّل كما ترى ، لعدم التفاوت بينه وبين مثل التغيّر في الماء المتغيّر كما لا يخفى.
وهي كثيرة يمكن تلخيصها في ثلاثة أقوال :
القول : بوضع المشتقّ لخصوص المتلبّس بالمبدأ ، والقول : بوضعه للأعمّ منه ومن انقضى عنه التلبّس ، والقول : بالتفصيل.
أمّا القول الأوّل : حكي عن الأشاعرة وعليه المتأخّرون من الأصحاب.
وأمّا القول الثاني : نقل عن المعتزلة وعليه المتقدّمون من الأصحاب.
وأمّا القول الثالث : فله أقسام ، فبعضهم فصل بين ما اشتقّ من المتعدّي وما اشتقّ من اللازم ، فالأوّل : وضع للأعمّ نحو السارق والقاتل ، الثاني : وضع للأخصّ كالجالس والذاهب ، وبعض آخر فصل بين المحكوم عليه والمحكوم به ، فالمحكوم عليه وضع للأعمّ نحو « السارق » في قوله تعالى : ( السَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما ) والمحكوم به وضع للأخصّ نحو جالس في
__________________
(١) المحاضرات : ج ١ ، ص ٢٤٣ و ٢٤٤.