الخامس : ( وهو المختار ) أن يجاب عنه بطرق ثلاثة كلّ واحد يجري في قسم من الصفات ( على سبيل منع الخلو ).
الطريق الأوّل : ما مرّ في مبحث الصحيح والأعمّ في بيان القدر الجامع للصحيحي ، من أنّ اللفظ وضع لما يكون منشأً للأثر المرغوب منه ، فالساعة مثلاً وضعت لما يقدّر به الأوقات ، والسراج وضع لما ينشأ منه الضياء لدفع الظلمة ، وهما يصدقان على كلّ ما يكون سبباً لهذين الأثرين ولو اختلفت الموادّ والهيئات كما يرى في الساعات المائيّة والرمليّة والكهربائيّة فلا شكّ في أنّ كلّها ساعة ، وهذا المعنى صادق في قسم من صفات الباري كالسميع والبصير ، فإنّ السميع مثلاً وضع لمن يكون محيطاً بالمسموعات ، والبصير وضع لمن يكون محيطاً بالمبصرات ، سواء كان ذلك بالآلة أو بدونها ( فتأمّل ).
الطريق الثاني : أن تكون مجازاً ولكنّه مجاز فوق الحقيقة بحيث تكون الحقيقة فيها قنطرة المجاز على عكس ما هو المعروف من أنّ المجاز قنطرة الحقيقة فإنّ استعمال العالم في الله تبارك وتعالى وإن فرض مجازاً ، ولكنّه مجاز أعلى من الحقيقة فإنّ العلم هنا عين الذات ، لا أمر عارض عليه ، فيكون المعنى المجازي أعلى وأشرف وأتمّ من المعنى الحقيقي ، ولا ضير في الالتزام بذلك مع وجود القرينة ، ووضوح المفهوم وهكذا الحال في ما يشبه العالم من الصفات كالقادر وغيره.
الطريق الثالث : النقل ، بأن يقال بانتقال المعنى المحدود إلى المعنى الوسيع بعد كثرة استعماله في ذات الباري تعالى ، فكان العالم مثلاً موضوعاً لما يكون المبدأ فيه غير الذات ، لكن لكثرة استعماله في الله عزّوجلّ وضع تعييناً أو تعيّناً للأعمّ منه ، وهذا أيضاً يجري في مثال العالم والقادر وما أشبههما فتأمّل جيّداً.
لا إشكال في أنّ الوصف والاتّصاف يحتاج إلى قيام المبدأ بذات لأنّه لو لم يكن المبدأ قائماً بالذات لا يتحقّق اتّصاف لذات دون ذات ، بل يلزم اتّصاف كلّ ذات بكلّ وصف ، وهذا واضح لا إشكال فيه ، ولكن هيهنا أمثلة صارت منشأً للنزاع والإشكال ، ففي قسم منها مثل الضارب والمؤلم بالكسر ، ليس المبدأ فيه وهو الضرب والألم قائماً بذات الضارب والمؤلم ، بل إنّهما قائمان