بالمضروب والمؤلَم ( بالفتح ) ، كما لا يخفى ، وفي قسم آخر منها نحو اللابن والتامر ممّا يكون المشتقّ فيه من الجوامد لا معنى لقيام المبدأ ( وهو اللبن والتمر في المثال ) بذات اللابن والتامر ، وفي قسم ثالث منها وهو الصفات التي تنسب إلى ذات الباري تعالى أيضاً كذلك فليس المبدأ فيها قائماً بالذات لأنّها عينه.
أقول : وحيث إنّ بعضهم لم يظفر على جواب مناسب لهذه الأمثلة أنكر من الأساس اعتبار قيام المبدأ بالذات في جميع المشتقّات ، ولكن يمكن الجواب عن الجميع :
أمّا القسم الأوّل : فيمكن أن يقال : إنّ الإشكال فيه حصر القيام في نوع واحد ، وهو القيام الحلولي ، مع أنّ للقيام أنواعاً متفاوتة :
منها : القيام الحلولي كما هو كذلك في الصفات المشبّهة وأسماء الفاعل المشتقّة من الفعل اللازم.
ومنها : القيام الصدوري ، كما في مثل الضارب والقاتل وغيرهما.
ومنها : القيام بمعنى الوقوع فيه ، كما في اسمي الزمان والمكان.
ومنها : القيام بمعنى الوقوع به في مثل اسم الآلة.
ومنها : القيام الانتزاعي كما في مثل الصفات الانتزاعي ، نحو صفة الممكن الذي تنتزع من تساوي الوجود والعدم بالنسبة إلى الذوات الممكنة ، فإنّ مبدأ الإمكان فيه قائم بذات الممكن انتزاعاً ، فالقيام في جميع المشتقّات حاصل ولكن كلّ واحد بنوع من القيام.
هذا كلّه بالنسبة إلى القسم الأوّل من الأمثلة.
أمّا القسم الثاني : مثل اللابن والتامر فالجواب عنه إنّه لا يشتقّ من الجامد وصف إلاّبعد اشراب معنى وصفي فيه ، فاشرب في اللبن والتمر مثلاً معنى البيع ويكون اللابن والتامر مشتقّين في الواقع من مادّة بيع اللبن ومادّة بيع التمر ، وهما قائمان بفاعلهما قياماً صدوريّاً.
أمّا القسم الثالث : فالطريق الصحيح في حلّه ما اخترناه سابقاً من كونها مجازات فوق الحقيقة.
ففي مثل العالم نقول : إنّ الله منزّه من أن يكون العلم قائماً به ، بل ذاته تعالى عين العلم ، فيكون فوق الحقيقة ، ولا غرابة ولا استهجان فيه ، وعلى هذا فلا يرد علينا إشكال تعطيل الصفات ، أو كونه تعالى جاهلاً بالمقايسة إلى الممكنات تعالى الله عن ذلك.