ثمّ إنّ المحقّق الخراساني رحمهالله قد سلك في المسألة طريقة اخرى وتبعه المحقّق النائيني رحمهالله وهو أنّ العرف مرجع في تعيين المفهوم لا المصداق ، فيمكن أن يكون هناك مصاديق لم يدركها العرف وفي ما نحن فيه : كذلك ، فإنّ مفهوم المشتقّ هنا عرفاً هو المبدأ القائم بالذات لكن من مصاديق القيام وأعلى مراتبه هو القيام على نحو العينية وإن لم يدركه العرف!
ويرد عليه :
أوّلاً : أنّ العرف قد يكون مرجعاً في المصاديق أيضاً ، كما في تطهير الثوب المتنجّس بالدم فيما إذا بقي فيه لون من الدم ، ففي مثله وإن كان العقل يحكم ببقاء عين الدم ، لاستحالة انتقال العرض ( على القول به ) إلاّ أنّه حيث إنّ العرف لا يعدّه من مصاديق الدم يحكم بعدم وجوده وبطهارة الثوب ، نعم المرجع في المصاديق هو العرف الدقّي لا التسامحي ، فلا يرجع إلى المسامحات العرفيّة كما إذا حكم على تسعة وتسعين مثقالاً أنّه مائة مثقال مسامحة.
وثانياً : أنّ القيام يلازم الاثنينية ولا توجد اثنينية فيما إذا كان المبدأ عين الذات ، وأمّا كون الاتّحاد من أعلى مصاديق القيام فهو كلام شعري لا محصّل له بعد ما عرفت من وجود الاثنينية في معنى القيام.
بقي هنا شيء :
وهو أنّ ما مرّ من البيان في صفات الباري يختصّ بصفات ذاته تعالى ولا يشمل صفات الفعل ، لأنّ المبدأ في الصفات الفعليّة غير الذات وليست عينها قطعاً بل ينتزعها العقل من الأفعال الصادرة منه تعالى فينتزع مثلاً عنوان « الرازق » بعد صدور فعل « الرزق » منه تعالى ، وكذلك في عنوان « الخالق » وغيره من صفات الفعل ولهذا يقال بحدوث صفات الفعل بمعنى أنّ الانتزاع العقلي لهذه الصفات من الأفعال حادث بحدوث الفعل فلا يرد إشكال من ناحية قدم الذات مع حدوث الصفات كما لا يخفى.
نعم القدرة على فعل الخلق أو الرزق قديم ، إلاّ أن مفهوم القادر غير مفهوم الخالق والرازق ، ومحلّ النزاع في المقام إنّما هو الصفات المنتزعة من نفس هذه الأفعال ، لا صفة القدرة عليها.