هل يكون كلمة « الجاري » في مثل جملة « الميزاب جارٍ » حقيقة ولو كان وصفاً للميزاب ، أو مجازاً لأنّه وصف للماء واقعاً لا للميزاب؟
وقع الخلاف فيه بين المحقّق الخراساني وصاحب الفصول رحمهما الله ، لأنّ صاحب الفصول رحمهالله ذهب إلى اعتبار كون ثبوت المبدأ للذات في استعمال المشتقّ ثبوتاً حقيقيّاً ، فكلمة « جارٍ » في الجملة المذكورة مجاز لا حقيقة ، واستشكل عليه المحقّق الخراساني رحمهالله وقال : إنّه خلط بين المجاز في الكلمة والمجاز في الإسناد ، والمثال من قبيل الثاني لا الأوّل.
أقول : الإنصاف أنّ الخلط إنّما هو في كلام المحقّق الخراساني رحمهالله ، لأنّ الذات المبحوث عنها في المقام هي الذات الموجود في المشتقّ لا المبتدأ أو الموصوف في الجملة الخبريّة ، والمتبادر من المشتقّ إنّما هو اتّصاف الذات الموجود فيه بالمبدأ حقيقةً ، وأمّا مثل « جار » في المثال المذكور فيمكن أن يكون من باب المجاز في الكلمة لا المجاز في الإسناد.
وبعبارة اخرى : المراد من الجاري هنا الجاري مجازاً لا حقيقة ، ومن المعلوم أنّ إسناد هذا المعنى إلى الميزاب حقيقي كما أنّ إسناد الأسد بمعنى الرجل الشجاع إلى زيد في قولنا « زيد أسد » ليس إسناداً مجازيّاً بل هو إسناد حقيقي وإن كان الأسد استعمل في معناه المجازي.
نعم لو اريد من الجاري معناه الحقيقي كان إسناده إلى الميزاب إسناداً مجازيّاً فتدبّر جيّداً.
فتلخّص : أنّ ما مرّ في مفهوم المشتقّ من لزوم كون المبدأ قائماً بالذات ، لا بدّ أن يكون القيام فيه حقيقياً لا مجازيّاً.
وقع الخلاف بين الأعلام في أنّ المبدأ للمشتقّات هل هو « المصدر » كما قال به الكوفيون أو « الفعل » كما نقل عن البصريين أو « المادّة الهيولائيّة التي لا خصوصيّة فيها من جهة الهيئة والنسبة » كما عليه المحقّق النائيني رحمهالله في بعض تقريراته؟ وجوه :
وقد أورد على القول الأوّل : بأنّ « المصدر مشتمل على مادّة وصورة من حيث لفظه ، وحدث ونسبة من حيث المعنى ، ويستحيل أن يكون مثله مبدأ لبقيّة المشتقّات إذ لا بدّ وأن