قال باختلافهما أراد من الإرادة الإرادة الحقيقيّة ومن الطلب الطلب الإنشائي ولا إشكال في اختلافهما ، ومن قال باتّحادهما إرادة من الإرادة الإرادة الحقيقيّة ومن الطلب أيضاً الطلب الحقيقي ولا إشكال في اتّحادهما » فإنّ هذا بعيد عمّا ذكروه ومخالف لما أودعوا في كتبهم كما عرفت.
هذا أوّلاً ، وثانياً : ليس النزاع في لفظ الطلب والإرادة والمعنى اللغوي لهما حتّى يقال : بأنّ ما نفهم من لفظ الطلب عرفاً ولغة غير ما نفهمه من لفظ الإرادة كذلك فيمكن حلّ المسألة بالرجوع إلى العرف واللّغة ، بل النزاع في الواقع في مصطلح اخترعه الأشاعرة في باب صفات الباري باسم الطلب وادّعوا أنّه غير الإرادة في باب الإنشائيات والأوامر الإنشائيّة الموجودة في القرآن ، كما ادّعوا في إخباره تعالى والجمل الخبريّة الموجوة في الكتاب الكريم وجود صفة اخرى له تعالى باسم الكلام النفسي وادّعوا أنّه غير علمه وقدرته.
دلائل الأشاعرة :
ثمّ إنّ الأشاعرة استدلّوا لمقالتهم في باب الإنشائيات بامور :
حيث إنّها أوامر تصدر منه تعالى بداعي البعث والطلب فحسب ولا يكون وراءها جدّ ولا إرادة وهي تدلّ على وجود الطلب دون الإرادة وانفكاكها عنه في هذا الموارد ، فهو يدلّ على تعدّدهما.
والجواب : عنه أنّه مبني على انحصار الإرادة في الإرادة الحقيقيّة مع أنّها على قسمين : إرادة إنشائيّة ، وإرادة جدّية حقيقيّة ، كما أنّ الطلب أيضاً ينقسم إلى الإنشائي والحقيقي ، والموجود في الأوامر الامتحانيّة إنّما هو الإرادة الإنشائيّة والطلب الإنشائي وهو لا ينافي اتّحادهما.
ولتوضيح البحث ينبغي بيان حقيقة الامتحان : فنقول : فرق بين امتحان المخلوق للمخلوق وامتحان الخالق للمخلوق فإنّ حقيقة الأوّل إنّما هو كشف المجهول كما لا يخفى ، وأمّا حقيقة الثاني إنّما هو إظهار الأعمال التي يستحقّ بها الثواب والعقاب ( كما ورد في نهج البلاغة