لأمير المؤمنين علي عليهالسلام : « ... لكن لتظهر الأفعال التي يستحقّ بها الثواب والعقاب » (١) ) وبالنتيجة إبراز الملكات النفسانيّة في صور الأعمال لأن يستعدّ الإنسان بذلك للرشد والتكامل.
وإن شئت قلت : إنّ حقيقة الأوامر الامتحانيّة مطلقاً سواء في الخالق والمخلوق عبارة عن مجرّد إنشاءات ليست ورائها إرادة حقيقيّة ، تصدر من المنشىء الآمر لاظهار الصفات النفسانيّة والسريرة الباطنية في مقام العمل بداعي كشف المجهول في امتحان المخلوق ، وظهور الأفعال واستحقاق الثواب والعقاب في امتحان الخالق ، فنتعلّق الإرادة الإنشائيّة والطلب الإنشائي هو العمل ، وأمّا الإرادة الجدّية والطلب الحقيقي فلا يتعلّقان بنفس العمل ، بل بكشف المجهول ( في المخلوق ) واستحقاق الثواب والعقاب ( في الخالق ).
ومن هنا يعلم أنّ الموجود في الأوامر الامتحانيّة إنّما هو الأمر الإنشائي المتّحد مع الإرادة الإنشائيّة لا الأمر الجدّي ولا الطلب الواقعي ..
وبيانه أنّه لا شكّ في أنّ التكاليف الإلهيّة تشمل المطيع والعاصي كما تشمل المؤمن والكافر ، كما لا شكّ في أنّ حقيقة التكليف هي طلب الفعل أو طلب الترك ، فهو تبارك وتعالى طلب من العصاة أيضاً إتيان المكلّف به مع أنّه لو كان الطلب هو عين الإرادة لم يمكن عصيان العصاة لأنّ لازمه تخلّف إرادته تعالى عن مراده وهو محال كما قال في كتابه الكريم : ( إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ )(٢) فلابدّ من التفكيك بين الإرادة والطلب ، وهو المطلوب.
والجواب عنه : أنّ لله تعالى إرادتين : إرادة تكوينيّة وإرادة تشريعيّة ، وقد وقع الخلط بينهما هنا ، فإنّ عدم إمكان تخلّف الإرادة عن المراد إنّما هو في الاولى لا الثانيّة ، فإنّ الثانيّة أي الإرادة الإنشائيّة في الباري تعالى متعلّقها هو إتيان العبد العمل باختياره وبإرادته ، فإنّ المفروض أنّ العبد أيضاً مختار ومريد ، تارةً يريد الفعل واخرى يريد الترك.
وبالجملة الموجود في تكاليف العصاة إنّما هو الإرادة التشريعيّة والطلب التشريعي لا
__________________
(١) نهج البلاغة : ح ٩٣.
(٢) سورة يس : الآية ٨٢.