الإرادة التكوينيّة والطلب التكويني ، وبعبارة اخرى : المتعلّق لامتثال العبد وإتيان العمل هو إرادته التشريعيّة وطلبه التشريعي وأمّا إرادته التكوينيّة وطلبه التكويني فإنّما تعلّق باختيار العبد وكونه مختاراً ، فوقع الخلط في الواقع في كلام الأشاعرة بين الإرادة التكوينيّة والإرادة التشريعيّة ، والاختلاف إنّما هو بين الإرادة التكوينيّة والطلب التشريعي وهو لا يلازم اختلاف الإرادة والطلب التشريعيين أو التكوينيين.
وبيانه على مبناهم في مسألة الجبر ؛ إنّ فيها أيضاً يوجد الطلب دون الإرادة لأنّ الإرادة تتعلّق بالمقدور ، والمقدور للإنسان عبارة عن ما ليس فيه مجبوراً ، وحيث إنّه مجبور في تكاليفه فليست مقدورة له فلا تتعلّق بها الإرادة ، وحينئذٍ تنفكّ عن الطلب.
والجواب عنه : أنّه لو كان المراد إرادة الإنسان وطلبه فكما لا إرادة له في غير المقدور له بناءً على كونه مجبوراً لا طلب له أيضاً ، وبعبارة اخرى : الطلب والإرادة إمّا يتعلّقان معاً بغير المقدور أو لا يتعلّقان معاً ، ولا معنى لتعلّق أحدهما دون الآخر.
ولو كان المراد إرادة الله تعالى فإنّه كما طلب تشريعاً أراد أيضاً تشريعاً ، ولا يمكن التفكيك بينهما كما مرّ بيانه آنفاً في الجواب عن الدليل الثاني ، وبالجملة قد وقع الخلط في هذا الدليل أيضاً بين الإرادة التكوينيّة والإرادة التشريعيّة وبين إرادة الخالق وإرادة المخلوق.
هذا ـ مضافاً إلى فساد المبنى وهو كون الإنسان مجبوراً كما سيأتي إن شاء الله تعالى ومضافاً الى أنّه لا يناسب مبناهم من إنكار الحسن والقبح بالنسبة إلى أفعال الباري تعالى. وأنّ تكليفه تعالى العباد بما لا يكون مقدوراً لهم غير قبيح.
الرابع : أنّ للمحقّق النائيني رحمهالله هنا كلاماً يكون بمنزلة دليل رابع لاختلاف الإرادة مع الطلب وإليك نصّ كلامه : « إنّ الكلام في اتّحاد الطلب والإرادة يقع في موضعين :
الأوّل : في اتّحاد مفهومهما وعدمه.
والثاني : في أنّ الموجود في النفس المترتّب عليه حركة العضلات هل هو امور ثلاثة : التصوّر والتصديق بالفائدة والشوق المؤكّد المعبّر عنه غالباً بالإرادة كما هو المعروف ، أو هناك أمر آخر متوسّط بين الإرادة والحركة ، ونسبته إلى النفس نسبة الفعل إلى فاعله لا نسبة