قبل ذاتها فلا يلزم محذور أصلاً ويثبت الأمر بين الأمرين.
إن قلت : إنّ الأمر الرابع الذي بنيت عليه ثبوت الأمر بين الأمرين هل هو ممكن أو واجب؟ لا سبيل إلى الثاني وعلى الأوّل فهل علّته التامّة اختياريّة أو غير اختياريّة وعلى الأوّل يلزم التسلسل ، وعلى الثاني يتمّ مذهب الجبر.
قلنا : لا إشكال في كونه حادثاً وممكناً إلاّ أنّه نفس الاختيار الذي هو فعل النفس وهي بنفسها ، تؤثّر في وجوده فلا يحتاج إلى علّة موجبة لا ينفكّ عنها أثرها ، إذ العلّية بنحو الإيجاب إنّما هي في غير الأفعال الاختياريّة ، نعم لا بدّ في وجوده من فاعل ، وهو النفس ، ومرجّح وهي الصفات النفسانيّة ، والاحتياج إلى المرجّح إنّما هو من جهة خروج الفعل عن العبثية ، وإلاّ فيمكن للإنسان إيجاد ما هو منافر لطبعه فضلاً عن إيجاد ما لا يشتاقه لعدم فائدة فيه ، ثمّ إنّ المرجّح المخرج للفعل عن العبثية هي الفائدة الموجودة في نوعه دون شخصه بداهة أنّ الهارب والجائع يختار أحد الطريقين وأحد القرصين مع عدم وجود مرجّح في واحد بالخصوص » (١) ( انتهى ملخّص كلامه ).
الاولى : أنّه قد ظهر بملاحظة تاريخ المسألة أنّها ليست مسألة لفظيّة لغويّة حتّى نتكلّم عن معنى الإرادة والطلب في اللّغة ، فلا يمكن أن يكون النزاع في اتّحادهما مفهوماً ولغويّاً بل أنّه بحث كلامي وقع في اتّحادهما أو اختلافهما خارجاً بحسب ما اختاروه في بحث صفات الباري.
الثانيّة : أنّ الإرادة في تعريفهم ليست هي الشوق المؤكّد النفساني كما قال ، كما أنّ دعوى كونه معروفاً ليست بثابتة ، وإنّما الإرادة في تعريفاتهم عبارة عن الشوق المؤكّد المحرّك للعضلات ، فهي في الواقع عبارة عن تلك المرحلة الرابعة المحرّكة للعضلات ، وهي نفس الطلب أو الاختيار أو تأثير النفس على ما جاء في كلامه ، فكلّ من الطلب والإرادة يطلق على تلك المرتبة ، فاللازم هو اتّحاد الإرادة والطلب فتأمّل.
الثالثة : أنّ ما ذكره من المراحل الأربعة في إرادة الإنسان خارج عن محلّ النزاع بأسره ،
__________________
(١) أجود التقريرات : ج ١ ، ص ٨٨ ـ ٩٢.