الثاني : ( هو جواب حلّي منه رحمهالله ) فهو إنّا غير عالمين بتفاصيل العمل وإلاّ لو علمنا به تفصيلاً لكنّا قادرين على تكراره بعينه ، فمثلاً لو علمنا بمقدار الماء في الاغتراف الأوّل لأستطعنا أن نغترف منه بنفس ذلك المقدار في المرّة اللاّحقة.
وأمّا الجواب الثالث فهو أن نقول : إنّ الاختياري من العمل في المثال المزبور إنّما هو أصل إلقاء الحجر فحسب ، وهو ممّا يمكن تكراره بعينه بلا إشكال ، وأمّا خصوصّياته وجزئياته فلا بأس بكونها خارجة عن الاختيار.
وبعبارة اخرى : ههنا عدّة من العوامل الجبريّة تكون دخيلة في عمل الإلقاء كبعض ارتعاشات اليد ومقدار القوّة الموجودة في اليد في كلّ مرّة ولكنّها لا تنافي اختياريّة أصل العمل كما لا يخفى.
وبيانه أنّ اختياريّة العمل تستلزم العلم بتفاصيله وهو مفقود بالوجدان كما في حركة الساهي أو النائم وانقلابه من جنب إلى جنب وفي الأعمال الاعتياديّة ، فلا يعلم الإنسان بكميّة عمله وكيفيته ( في المثال الأوّل ) كما لا يعلم بعدد خطواته وكيفيتها ( في المثال الثاني وفي الأعمال الاعتياديّة ) فإن كانت هذه الأعمال اختياريّة له فكيف لا يكون عالماً بتفاصيلها؟
وأجاب عنه المحقّق الطوسي رحمهالله : بما يخصّ بالمثال الأوّل بأنّ ملاك اختياريّة العمل إنّما هو صدوره عن علم وإلتفات ، وهما منفيان في حال النوم أو السهو ، فلا يكون العمل في هذا الحال اختياريّاً.
وأمّا في المثال الثاني وهو الأعمال الاعتياديّة فيمكن أن يقال : أنّها معلومة إجمالاً لأنّها قبل أن تصير اعتياديّة كانت تصدر من الإنسان عن علم وإلتفات تفصيلي ، وبعد تحقّق العادة أيضاً تصدر عن علم وإلتفات ، ولكن على نحو الإجمال ، ولا دليل على اعتبار العلم التفصيلي في اختياريّة الأعمال.
أي « قاعدة الشيء ما لم يجب لم يوجد »