بيانه : أنّه لا إشكال في أنّ كلّ معلول ما لم تتحقّق علّته التامّة لم يوجد ، بل يمتنع وجوده ، فإذا تحقّقت علّته التامّة فلابدّ من تحقّق المعلول ، ولا يمكن تخلّفه عنها ، فكلّ فعل عند تحقّق علّته واجب وجوده ، وعند عدم تحقّق علّته ممتنع وجوده ، فأمره دائماً دائر بين الوجوب والامتناع ، أي أنّه إمّا ضروري الوجود ، أو ضروري العدم ، وهذا هو معنى الجبر ، فلا اختيار في البين.
والجواب عنه : أنّ الوجوب بالاختيار لا ينافي الاختيار كما أنّ الامتناع بالاختيار لا ينافيه أيضاً
وتوضيحه : إنّا نقبل قاعدة « إنّ الشيء ما لم يجب لم يوجد » ولكن نقول أيضاً : إنّ الجزء الأخير للعلّة التامّة في الأفعال الاختياريّة هو الإرادة والاختيار ، ولا إشكال في أنّ الوجوب الذي ينشأ من العلّة التي يكون جزؤها الأخير الاختيار لا ينافي الاختيار ، بل يؤكّد الاختيار.
( الذي أدرجه بعض في برهان العلّية ولكن ينبغي إفراده عنه لما فيه من خصوصيّة التبيين ) وهو عبارة عن « أنّ اختياريّة العمل إنّما تكون بالإرادة ، فننقل الكلام إلى الإرادة ونقول : هل الإرادة أيضاً إراديّة واختياريّة ، أو لا؟ فإن لم تكن إراديّة لزم ، كون الفعل الذي ينتهي إليها غير ارادي أيضاً ، وإن كانت إراديّة فلابدّ أن تكون تلك بإرادة اخرى ، ثمّ ننقل الكلام إلى تلك الإرادة ، فإن كانت إراديّة فيلزم التسلسل وإلاّ لزم الجبر ، فيدور الأمر بين قبول التسلسل وقبول مذهب الجبر ، وحيث إنّ الأوّل باطل فيتعيّن الثاني.
وهذا هو من أهمّ أدلّتهم ، وهو الذي بالغ فيه أمام المشكّكين حتّى توهّم أنّه لو اجتمع الثقلان لم يأتوا بجوابه.
ولكن اجيب عنه بوجوه عديدة :
الوجه الأوّل : ما أجاب عنه المحقّق الخراساني رحمهالله وحاصله : أنّ الثواب والعقاب يترتّبان على الإطاعة والمعصية ، وهما تنشئان من الإرادة ، والإرادة أيضاً تنشأ من مقدّماتها الناشئة من الشقاوة والسعادة الذاتيتين ، والذاتي لا يعلّل ، والسعيد سعيد في بطن امّه والشقي شقي في بطن امّه والناس معادن كمعادن الذهب والفضّة كما في الخبر.