الثالثة : أنّ الفاعل للفعل هو الإنسان بوصف كونه مختاراً والباقي شروط ومعدّات.
ولكن يرد على المقدّمة الاولى : أنّه لا حاجة إليها لأنّه وإن كان الاختيار مجعولاً بجعل مستقلّ فمع ذلك لا يضرّ بكون العمل اختياريّاً ، لأنّه على أيّ حال : خلق مختاراً ، أي تكون أصل قوّة الاختيار جبريّاً وقهريّاً ، وهذا لا ينافي أن يكون الفعل المستند إلى هذه القوّة اختياريّاً كما لا يخفى.
وعلى الثانيّة : أنّها مبهمة من جهة أنّه لا يعلم أنّ مراده ما ذكره المحقّق النائيني ؛ من أنّ الاختيار نفس الطلب والطلب غير الإرادة ، أو غير ذلك ، فإن كان الأوّل فقد عرفت الكلام فيه ، وإن كان غير ذلك فليبيّن حتّى يبحث عنه.
وأمّا الثالثة : فلا مانع من المساعدة عليها ، لكن يبقى الكلام في أنّ الإنسان المختار متساوي النسبة إلى وجود الفعل وعدمه فكيف يصدر الفعل منه دون عدمه فإن كان هو من جهة تخصيص قاعدة الوجوب فيعود الإشكال الذي ذكرناه في كلام المحقّق النائيني رحمهالله أو شيء آخر فما هو؟
الحقّ في المسألة أن يقال : إنّ هناك أمرين :
١ ـ صفة الاختيار وقوّته التي تكون ذاتيّة للإنسان ، ومقتضى هذه الصفة هي كون الإنسان بالنسبة إلى أفعاله على نحو سواء بحيث إنّ شاء فعل وإن شاء ترك.
٢ ـ الاختيار الفعلي ، وهو نفس الإرادة والانتخاب في الخارج والتصدّي للعمل.
فإنّه بعد تصوّر الإنسان لفعل وتصديق الفائدة فيه وحصول الشوق المؤكّد له ترد صفة الاختيار في ميدان العمل وتنتخب الفعل أو الترك.
وإن شئت قلت : ترد النفس في ميدان العمل بصفة الاختيار وقوّته التي تكون من شؤونها وذاتياتها فتريد الفعل أو الترك وتنتخب أحدهما.
ولازم هذا أن تكون الإرادة نفس الاختيار ، ولكن ـ الاختيار الفعلي لا صفة الاختيار أي الاختيار بالقوّة.