نعم أنّه وارد على مقالة من يقول : بأنّ الجبر في أفعال الإنسان ينشأ من إرادة الله تعالى ومشيّته الأزليّة ، ولا تدفع قول من يرى أنّه ناشٍ من عوامل اخرى أمّا نفسانيّة ذاتيّة للإنسان كعامل الوراثة ، أو خارجيّة عن ذاته كعامل الطبيعة والمجتمع إذا كانت قابلة للتغيير ولو جبراً.
ثمّ إنّ المحقّق الخراساني رحمهالله أورد مسألة الجبر والاختيار في مبحث التجرّي أيضاً ، ثمّ ذكر هذا الوجه تحت عنوان « إن قلت » وأنّه ما فائدة انزال الكتب وإرسال الرسل؟ وأجاب عنه بأنّ فائدة انزال الكتب وإرسال الرسل هو انتفاع من حسنت سريرته منها وتكامله بها ، وإتمام الحجّة بالنسبة إلى من خبثت سريرته.
أقول : هذا البيان مثله من مثله بعيد جدّاً لأنّه لا معنى للانتفاع أو إتمام الحجّة بناءً على العلّية التامّة في مقام الذات ، اللهمّ إلاّ أن يقال إنّ مقصوده من العلّية إنّما هو الاقتضاء لا العلّية التامّة ، ولكن هذا عدول عن ظاهر كلامه ومن يقول بمقالته ويحذو حذوه. هذا تمام الكلام في الأدلّة العقليّة لمذهبي الجبر والاختيار.
وأمّا الأدلّة النقليّة : من الآيات والرّوايات فهي كثيرة لكلّ من الطرفين ، فالجبريّون استدلّوا بطوائف خمسة من الآيات التي تدلّ بظاهرها على أنّ الفاعل إنّما هو الباري تعالى فقط ( ولعلّ من مناشىء القول بالجبر هو ظاهر هذا القبيل من الآيات مع الجمود على ظواهرها من دون ملاحظة سائر الآيات والقرائن العقليّة ) :
الطائفة الاولى : ما تدلّ على أنّه تعالى خالق لكلّ شيء كقوله تعالى : ( ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ )(١) وقوله تعالى : ( أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ )(٢) وقوله تعالى : ( فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ قالَ أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ )(٣).
__________________
(١) سورة الأنعام : الآية ١٠٢.
(٢) سورة الرعد : الآية ١٦.
(٣) سورة الصافات : الآية ٩٦.