جانبه يفاض على النفوس المستعدّة والقلوب المطهّرة بالأعمال الصالحة ، كما أنّ الضلالة عبارة عن قطع الفيض والاستعداد والتوفيق عن النفوس غير المساعدة وذلك بسبب الأعمال السيّئة والنيّات الخبيثة الصادرة عنهم ، فهذه الآيات مضافاً إلى أنّها غير دالّة على مذهب الجبر ، ظاهرة بل كالصريحة في مذهب الاختيار ، لأنّها بعد ضمّ بعضها إلى بعض تدلّ على أنّ الهداية والضلالة ناشئتان من الإنسان نفسه وإن كان ذلك بتسبيب إلهي من باب أنّ الأسباب تستمد قوتها من ساحته المقدّسة ، ومن هنا تنسب المسبّبات إليه تعالى أيضاً حقيقة.
ثمّ إنّ هناك آيات كثيرة تدلّ على الاختيار بصراحتها أو ظهورها ، وهي على طوائف عديدة :
الطائفة الاولى : ما ينطق بمذهب الاختيار بالصراحة : نحو قوله تعالى ( إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً )(١) فإنّه يدلّ بوضوح على الاختيار خصوصاً بملاحظة ما قبله من الآية : ( إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً بَصِيراً )(٢) ( والمشيج بمعنى الخليط ) فإنّه يستفاد منه أنّ الإنسان بحسب الفطرة مخلوط ومعجون من أسباب الهداية والضلالة ولذلك يكون في موقف الابتلاء والامتحان بإرائة الطريق وهداية السبيل ، فهو إمّا يشكر فيهتدي ، وإمّا يكفر فيضلّ. وهو مجموع ما يستفاد من الآيتين ، ونحو قوله تعالى : ( وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ )(٣).
وقوله تعالى : ( إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً ) (٤).
وقوله تعالى : ( إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ )(٥).
الطائفة الثانيّة : ما يدلّ على أنّ الإنسان رهين لأعماله ، ولازمه كونه مختاراً وإلاّ لا يكون مرتهناً بها :
__________________
(١) سورة الدهر : الآية ٣.
(٢) سورة الدهر : الآية ٢.
(٣) سورة الكهف : الآية ٢٩.
(٤) سورة المزمّل : الآية ١٩.
(٥) سورة التكوير : الآية ٢٧ ـ ٢٨.