النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ )(١).
الطائفة السابعة : مجموع الآيات الدالّة على إسناد الأفعال إلى العباد حقيقة وهي كثيرة جدّاً كقوله تعالى : ( الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ ) فإنّ نسبة إيجاد الوسوسة في صدور الناس إلى الجنّ والانس دليل على أنّها مستندة إليهم حقيقة لا مجازاً ، والقرآن مشحون بمثل هذه الآيات.
وبها نجيب عن طائفة من الجبريين الذين يقولون : بأنّ إسناد الأفعال إلى العباد في الآيات الكريمة إسناد مجازي وإنّ عادة الباري تعالى جرت على أعمال إرادته عند إرادة الإنسان وإنّ العلّة التامّة إنّما هو إرادة الله فقط ، فإنّ هذا ينافي ظهور هذه الإسنادات بكثرتها في الحقيقة ، فإنّ حملها كلّها على المجاز مجازفة جدّاً.
إلى هنا تمّ الكلام في الأدلّة النقليّة والعقليّة الدالّة على نفي الجبر والتفويض.
بقي هنا امور :
وهو مذهب أهل بيت العصمة الذين لا يزالون يدعون إليه في مقابل مذهبي الجبر والتفويض ، وقد وردت من جانبهم في هذا المجال روايات كثيرة في الجوامع المعتبرة للحديث ، وحيث إنّ بعض القائلين بهذا المذهب انسحب بالمآل إلى مذهب الجبر كمن يقول : بأنّ العلّة النهائيّة في إرادات الإنسان إنّما هي حسن سريرته أو سوئها ، كما أنّ بعضاً آخر انجرّ إلى مذهب التفويض كذلك ، فلابدّ أوّلاً من تفسير الأمر بين الأمرين وبيان حقيقته ثمّ إيراد جملة من تلك الرّوايات المأثورة عنهم عليهمالسلام.
فنقول : إنّ « الأمر بين الأمرين » عبارة عن الجمع بين الأصلين : التوحيد الأفعالي ( أي فاعليته تعالى في الأفعال كلّها ) والعدالة ، فإنّ حقيقة هذا المذهب أنه لا يخرج الباري تعالى عن سلطانه المطلق في جميع الأشياء حتّى في الأفعال الاختياريّة للإنسان ، هذا من جانب ، ومن
__________________
(١) سورة العنكبوت : الآية ٢.