اختياره وإرادته تعالى فهي ناشئة حقيقة من اختيار الله وإرادته ، لأنّ إرادة الملزوم لا تنفكّ عن إرادة اللازم ، فهذا هو الأمر بين الأمرين.
فهو كما ذكره بعض الأعلام نظير ما إذا فرضنا أنّ يد العبد مشلولة لا يتمكّن من تحريكها إلاّ مع إيصال الحرارة إليها بالقوّة الكهربائيّة ، فأوصل المولى القوّة إليها بوساطة سلك الكهرباء الذي يكون زرّه بيد المولى فقام العبد باختياره بفعل حسن أو قبيح ، والمولى كان يعلم بذلك فحينئذ يكون الفعل اختياريّاً للعبد ويستند إليه حقيقة لأنّه صدر منه باختياره ، ويستند إلى مولاه أيضاً حقيقة لأنّ السلك بيد المولى وهو الذي يعطي القوّة للعبد آناً فآناً.
نعم ما يستند إلى العبد إنّما هو نسبة المسؤوليّة ، وما يستند إلى المولى إنّما هو نسبة الخالقية كما لا يخفى.
وهي على ثلاثة أنواع : فلسفية ، روحية ( نفسانيّة ) ، سياسيّة.
أمّا الأسباب الفلسفية فهي امور :
١ ـ ملاحظة تفاوت الأشخاص من حيث الذاتيات والاستعدادات ، فبعضهم ذو سريرة حسنة ولبعضهم الآخر سريرة سيّئة خبيثة من أوّل الأمر وقبل التأثّر بتربية مربّ وتعليم معلّم من الخارج.
٢ ـ ملاحظة تأثير المحيط والعائلة ، فالذين تولّدوا في محيط طيّب وعائلة طيّبة لهم روحيات وصفات طيّبة أيضاً في الغالب ، وبخلاف الذين تولّدوا ونشأوا في محيط سيّىء أو عائلة غير أصيلة فلهم خلقيات وضيعة دنيئة غالباً.
٣ ـ الانغمار في مسألة التوحيد الأفعالي وتوهّم أنّه لا يلائم فاعلية غير الله تعالى في أفعاله.
٤ ـ عدم القدرة على حلّ مشكلة الإرادة وكيفية جريان قاعدة « الشيء ما لم يجب لم يوجد » مع القول بالاختيار وعدم الجبر ، فهذه الامور جميعاً أو شتاتاً صوّرت أنّ الحقّ مع مذهب الجبر ، غفلوا عن أنّ تأثير النفسانيات أو المحيط والمجتمع إنّما هي على حدّ الاقتضاء والعلّية الناقصة ، فربّ إنسان له سريرة حسنة لكن بسوء اختياره يهوى إلى النار ، وربّ إنسان له سريرة سيّئة ينجو بحسن اختياره ويعمل على تحسين سريرته وخلقياته ويكون من أهل الجنّة.