وكذلك الذين يعيشون في المجتمعات الصالحة أو الفاسدة ، فليس شيء من ذلك علّة تامّة للسعادة والشقاوة والطاعة والمعصية بل الجزء الأخير هو إرادة الإنسان.
وكذلك قبول التوحيد بأقصى مراتبه لا ينافي القول بالاختيار كما عرفت تفصيل الكلام فيه ولا حاجة إلى مزيد توضيح أو تكرار.
وأمّا السبب الروحي والنفساني فهو ما يحاوله الإنسان عند الفشل والهزيمة من سلب المسؤوليّة عن نفسه وإسناد العلّة والسبب إلى أمر آخر جبري فيقول : « إنّي سيّىء الحظّ » مثلاً أو يقول : « فلان حسن الحظّ » وهكذا الحال في تبريره لسلوكه الشائن وأفعاله الشريرة من أجل التخلّص من الضغط الروحي والملامات الوجدانيّة فيقول : « أراد الله هكذا ولم يكن فعلي تحت اختياري وإرادتي ، بل كان مقدّراً من قبل ، ولا يمكن الفرار عن تقديره تعالى » أو « لا يمكن الفرار عن جبر المحيط والداوفع » إلى غير ذلك ، كما يشاهد في كثير من المسجونين الذين سجنوا بما قدّمت أيديهم من المآثم والكبائر.
وأمّا الأسباب السياسيّة فهي ما ينطق به تاريخ البشريّة من الاساليب المضلّلة لحكومات الجور وقوى الانحراف في طرح مسألة الجبر والقضاء والقدر لتوجيه تحكّماتهم وجناياتهم وبغرض تسليم الناس في مقابل رغباتهم الشرّيرة ولتخدير أفكارهم والتقدّم في مقاصدهم الخبيثة ، كما نسب في التاريخ إلى جنود المغول وكما جاء في كلمات بعض الأعاظم « أنّ الجبر والتشبيه امويان والعدل والتوحيد ( أو التوحيد والتنزيه ) علويّان » ومعناه أنّ بني اميّة كانوا ينشرون مذهب الجبر لتوجيه جناياتهم.
أمّا ما استند به المحقّق الخراساني رحمهالله من الحديثين ( حديث : « السعيد سعيد في بطن امّه والشقي شقي في بطن امّه » وحديث « الناس معادن كمعادن المذهب والفضّة »).
وهما ممّا ورد في منابع الفريقين ، فأمّا الرّواية الاولى فقد رواها الكناني عن الصادق عليهالسلام قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : « الشقي من شقى في بطن امّه الخبر » (١) ، ومن طريق العامّة (٢) رواها
__________________
(١) بحار الأنوار : ج ٥ ، ص ١٥٣ ، والحديث بلفظ ما رواه المحقّق الخراساني رحمهالله ورد في توحيد الصدوق : ص ٣٥٦ ، الباب ٥٨ ، ح ٣.
(٢) مسند أحمد بن حنبل : ج ٢ ، ص ١٧٦.