الصّيام في شهر رمضان ، والحاصل أنّ صاحب الاستعداد القوي للصيام وكذا من يعيش في المناطق الباردة مثلاً يكون أقرب إلى طاعة الله من غيره وبهذه المناسبة يعدّ أقرب إلى السعادة من غيره من دون أن يكون ذلك علّة تامّة للطاعة أو المعصية.
إن قلت : سلّمنا ، ولكن أليس هذا الاختلاف بهذا المقدار مخالفاً للعدالة؟
قلنا : قد اجيب عن هذه الشبهة في لسان الرّوايات الواردة عن الأئمّة المعصومين عليهمالسلام ببيان واضح وهو « إنّ أفضل الأعمال أحمزها ». (١)
وتوضيحه : أنّ التفاوت هذا إنّما يستلزم عدم العدالة فيما إذا لم تلاحظ تلك الخصوصيّة الذاتيّة أو العرضيّة في ميزان الأعمال وترتّب الثواب والعقاب مع أنّه لا ريب في دخلها في ميزان الأعمال ، فيكون أفضل الأعمال أحمزها وتلاحظ النسبة الموجودة بين الاستعداد والعمل ، فمن كان له استعداد أكثر وفرض أفضل للطاعة والعمل الصالح يطلب منه عمل أوفر وحصيلة أكثر ، ومن كان بعكس ذلك ولديه استعداد أشدّ للمعصية ينتظر منه عمل أقلّ وحصيلة أخفّ ولا ريب أنّ صلاة جار المسجد في المسجد لا تعادل في الفضيلة مع صلاة من يكون بعيداً منه ، وعين هذا الكلام يجري في الاختلافات الذاتيّة وتفاوت الاستعدادات الخلقية.
وحيث انتهى الكلام إلى مسألة الجبر والاختيار ينبغي أن نتكلّم بكلام موجز عن مسألة القضاء والقدر التي هي من أهمّ المسائل كتاباً وسنّة وعقلاً لما بينهما من الصلة الوثيقة ، وقد ورد الكلام في القضاء والقدر في الأخبار المأثورة عن أئمّتنا عليهمالسلام (٢).
ولا بدّ قبل بيان المختار في أصل المسألة من تقديم امور :
الأمر الأوّل : في أنّه ما الفرق بين المسألتين : مسألة الجبر والاختيار ومسألة القضاء والقدر؟
__________________
(١) بحارالأنوار ، ج ٧٠ ، ص ١٩١.
(٢) راجع بحار الأنوار : ج ٥ ، فقد أورد فيه العلاّمة المجلسي رحمهالله روايات المسائل الثلاثة : مسألة الجبر والاختيار ، ومسألة السعادة والشقاوة ومسألة القضاء والقدر.