والشاهد على ذلك ما هو المعروف من رواية ابن نباتة قال : إنّ أمير المؤمنين عليهالسلام عدل من عند حائط مائل إلى حائط آخر فقيل له : يا أمير المؤمنين ، تفرّ من قضاء الله؟ قال : « أفرّ من قضاء الله إلى قدر الله عزّوجلّ » (١).
فإنّه على كلا تفسيريه شاهد لما قلناه ، فإن كان المراد منه القضاء والقدر التكوينيين فمعناه أنّي أفرّ من قضاء الله التكويني ( وهو أصل سقوط الحائط المائل على الإنسان الموجب للجرح أو القتل ) إلى قدره التكويني وهو أنّ الحائط المائل يوجب قتل الإنسان أو جرحه فيما إذا لم يعمل الإنسان اختياره ولم يفرّ منه بإرادته ، فإنّ أصل إيجاب الحائط المائل بعد سقوطه قتل الإنسان من قضاء الله ، ولكن هذا القضاء مقدّر ومشروط بعدم إعمال الإنسان اختياره وإرادته وبعدم عدوله وفراره منه إلى مكان آخر.
وإن كان المراد منه القضاء التكويني والقدر التشريعي فمعناه أنّ موت الإنسان بالحائط المائل وإن كان بقضاء الله وإرادته ولكنّه تعالى أمر الإنسان تشريعاً بالعدول والفرار ، فكما أنّ موت الإنسان بالحائط من قضاء الله التكويني يكون فرار الإنسان منه أيضاً من قدره التشريعي.
ولا يخفى أنّ الحديث على كلا المعنيين أصدق شاهد على أنّ شمول قانون العلّية لجميع الأشياء التي منها أفعال الإنسان الاختياريّة لا ينافي اختياره وإرادته.
إلى هنا تمّ الكلام في المقام الأوّل من « الجهة الاولى » من البحث في معنى الأمر.
ويبحث فيها في أمرين :
لا إشكال في أنّها وضعت للطلب الإنشائي وبتعبير المحقّق الخراساني رحمهالله لانشاء الطلب ،
__________________
(١) بحار الأنوار : ج ٥ ، ص ١١٤ ، الطبع الحديث لبيروت.