ثمّ إنّه قال في المحاضرات : إنّ الواجب التوصّلي يطلق على معنيين :
الأوّل : ما لا يعتبر فيه قصد القربة.
الثاني : ما لا تعتبر فيه المباشرة من المكلّف بل يسقط عن ذمّته بفعل الغير سواء أكان بالتبرّع أم بالاستنابة ، بل ربّما لا يعتبر في سقوطه الالتفات والاختيار ، بل ولا إتيانه في ضمن فرد سائغ ، فلو تحقّق من دون إلتفات وبغير اختيار ، أو في ضمن فرد محرم كفى.
وإن شئت قلت : إنّ الواجب التوصّلي مرّة يطلق ويراد به ما لا تعتبر فيه المباشرة من المكلّف ، ومرّة اخرى يطلق ويراد به ما لا يعتبر فيه الالتفات والاختيار ، ومرّة ثالثة يطلق ويراد به ما لا يعتبر فيه أن يكون في ضمن فرد سائغ ( انتهى ) (١).
أقول : إنّ ما أفاده جيّد في محلّه ، ولكنّه لو كان في مقام بيان مصطلح القوم في الواجب التوصّلي فلم نتحقّقه في كلماتهم ، وإن كان في مقام جعل اصطلاح جديد فلا مشاحّة في الاصطلاح ، ولعلّه كان في مقام بيان آثار الواجب التوصّلي ولوازمه ، ولكن وقع السهو في العبارة فجعل ذلك أقساماً للواجب التوصّلي ، والحاصل أنّ الواجب التوصّلي شيء واحد وكلّ ذلك من لوازمه وآثاره.
قد ذكر في بعض الكلمات أنحاء أربعة لقصد القربة وأشار إليها المحقّق الخراساني ؛ أيضاً في بعض كلماته : أوّلها : التقرّب بقصد الأمر ، ثانيها : التقرّب بقصد المحبوبيّة ، ثالثها : التقرّب بقصد المصلحة ، ورابعها : التقرّب بقصد كونه لله وإنّ الله أهل للعبادة.
أقول : أمّا التقرّب قصد الأمر : فهو يتصوّر في ما تكون عباديته بالجعل والاعتبار حيث إنّ هذا القبيل من الامور العباديّة تحتاج في تحديدها وتعيين نوعها وكيفيتها إلى أمر واعتبار من ناحية الشارع ، وأمّا ما تكون عباديته ذاتيّة كالسجود فلا حاجة فيها إلى قصد الأمر ليكون عبادة لأنّها خضوع ذاتاً ولا تتصوّر فيه أشكال مختلفة فيكون في حالٍ خضوعاً لله تعالى وفي حال آخر غير خضوع ، وقصد الأمر لا بدّ منه في ما إذا تصوّر لعمل واحد دواعٍ مختلفة وحالات متفاوتة.
__________________
(١) المحاضرات : ج ٢ ، ص ١٣٩ ـ ١٤٠.