وأمّا التقرّب بقصد المحبوبيّة : فلا إشكال في جوازه حيث إنّ قصد المحبوبيّة أيضاً يمكن أن يصير احترازاً عن سائر الدواعي وبياناً للقسم الذي يكون عبادة.
وأمّا التقرّب بقصد المصلحة : فإن كان المقصود من المصلحة ما يترتّب على العبادة من الخضوع والتكامل المعنوي ( وهو ما نسمّيه بالمصلحة الأخلاقيّة ) فهو يرجع إلى القسم السابق ، أي قصد المحبوبيّة ، وإن كان المراد منها المصالح الماديّة كالصحّة في الصّيام ( كما ورد في الحديث : « صوموا تصحّوا » ) وكإصلاح أمر المعاش والامور الاقتصاديّة للمسلمين في الحجّ ( فإنّ من أبعاد الحجّ بعده الاقتصادي كما اشير إليه في الحديث أيضاً ) فلا إشكال في عدم إمكان التقرّب بقصدها كما لا يخفى ، فإنّ هذه الامور ليست اموراً قربيّة إلاّ إذا لوحظ كونها مقدّمة للعبادة والإطاعة بمعنى أنّه يريد صحّة جسمه مثلاً ليقوى على طاعة الله.
وأمّا التقرّب بقصد كون العمل لله : لأنّ الله أهل للعبادة فلا يصحّ أيضاً ، لأنّ التقرّب بعمل خاصّ متفرّع على عباديته في الرتبة السابقة إمّا ذاتاً أو بالجعل والاعتبار ، فإن كان عبادة ذاتاً فهو وإلاّ فلابدّ لصيرورته عبادة من أن يقصد محبوبيته عند الله أو كونه مأموراً به حتّى يمتاز عن أشباهه ونظائره ، وأمّا مجرّد إتيانه لأنّ الله تعالى أهل للعبادة لا يوجب عباديته كما لا يخفى.
فظهر أنّ الصحيح من الأنحاء الأربعة في العبادات المجعولة الاعتباريّة من جانب الشارع إنّما هو القسم الأوّل والثاني فقط ، وأمّا في العبادات الذاتيّة فلا حاجة إلى شيء من ذلك ، نعم إذا أتى بالسجدة بقصد كونها لله تكون عبادة لله ، وإن اريد بها الصنم تكون عبادة للصنم ، فهي عبادة على كلّ حال ذاتاً من دون حاجة إلى جعل واعتبار.
فقد وقع الخلاف في أنّه هل يجوز أخذ قصد الأمر في متعلّقه شرعاً أو لا؟ ذهب جماعة من الأعلام إلى عدم الإمكان وإنّ قصد الأمر ممّا يعتبر في العبادات عقلاً لا شرعاً ولهم بيانات مختلفة في إثباته :
منها : ما أفاده المحقّق الخراساني ؛ من لزوم الدور ، وبيانه : إنّ قصد الأمر متأخّر عن الأمر ، والأمر متأخّر عن متعلّقه فلو اعتبر قصد الأمر المتأخّر عن الأمر في المتعلّق السابق على الأمر لزم تقدّم الشيء على نفسه برتبتين وهو محال.