في الفور والتراخي
هل الأمر يدلّ على الفور ، أو التراخي ، أو لا يدلّ على واحد منهما بل يدلّ على الطبيعة المجرّدة؟
فيه ثلاثة وجوه ، والصحيح عند المتأخّرين من الأصحاب هو الوجه الثالث لأنّ مفاد صيغة الأمر ومادّته بحكم التبادر ليس إلاّطلب إيجاد الطبيعة التي ليس فيها مرّة ولا تكرار ولا فور ولا تراخي أبداً ، بل تستفاد هذه الخصوصيّات من دليل آخر.
لكن الصحيح عندنا أنّها تدلّ على الفور أيضاً كماتدلّ على المرّة ، وذلك لأنّ العرف والعقلاء لا يعدّون العبد معذوراً إذا أخّر الامتثال.
هذا مضافاً إلى أنّ البعث التشريعي يطلب الانبعاث فوراً عند العقل كما في البعث التكويني ولا معنى لأنّ يكون البعث في الحال والانبعاث في المستقبل ، فإنّ البعث التشريعي بمنزلة دفع إنسان بيده لطلب خروجه من الدار مثلاً.
وإن شئت قلت : كما أن طبيعة الأمر والطلب تقتضي الوجوب كذلك تقتضي الفوريّة إلاّ أن يثبت خلافه.
ومن هنا لا بدّ في باب القضاء من إقامة دليل من الخارج على أنّ وقت القضاء موسّع ، وإلاّ مقتضى البيان المذكور أنّ وقته مضيّق فلابدّ من القضاء فوراً.
ولعلّ ما ذكرنا هو مراد من استدلّ على دلالة الأمر على الفور بأنّه من قبيل العلّة التكوينيّة ، فكما أنّ العلل التكوينيّة تقتضي معلولها فوراً فكذا العلل التشريعيّة مثل الأوامر فإنّه لا بدّ أن يحمل على ما ذكرناه ، وإلاّ فقد عرفت أنّ العلّة للتشريع هو نفس المولى ، والأمر لا يكون علّة تامّة للامتثال فلا يقاس بالعلل التكوينيّة التامّة.