شكّ أنّ عملهم لأجل كشفها نوعاً عن الواقع مع حفظ نفس الأمر على ما هو عليه من غير تصرّف فيه ولا انقلابه عمّا هو عليه ، ومع هذا كيف يمكن الحكم بالإجزاء مع انكشاف الخلاف؟ وأمّا على الوجه الأخير على فرض صحّته فلا شكّ في أنّ لسان أدلّة حجّيتها هو التحفّظ على الواقع لا التصرّف فيه وقلبه إلى طبق المؤدّى ، أضف إلى ذلك أنّ معنى كون شيء أمارة ليس إلاّكونه كاشفاً عن الواقع عند المعتبر ، فلو تصرّف مع ذلك فيه وقلب الواقع على طبق مؤدّاه لدى التخلّف لخرجت الأمارة عن الأماريّة ... ومعه لا معنى للإجزاء (١).
ولكن يمكن أن يناقش فيه :
أوّلاً : بما مرّ من عدم حكومة لأدلّة الاصول على أدلّة الإجزاء والشرائط.
ثانياً : بأنّه لا فرق بين الأمارات والاصول في كون كلّ واحدة منهما من المخترعات العقلائيّة ، فإنّ البراءة بل الاستصحاب أيضاً ممّا استقرّ عليه بناء العقلاء ، وإن كانت دائرتهما في الشرع أوسع أو أضيق منه ، والعقلاء ليس بناؤهم إلاّعلى العمل بها ما دام الشكّ موجوداً لا على توسعة الأحكام الواقعيّة.
وفي نهاية المطاف نقول : الحقّ والإنصاف في المسألة هو ما ذهب إليه بعض المحقّقين المعاصرين وهو سيّدنا الاستاذ المحقّق العلاّمة البروجردي قدسسره الشريف فإنه ذهب إلى الإجزاء مطلقاً سواء في الاصول والأمارات بل كان يصرّ عليه بل قال في بعض كلماته : « الظاهر تسالم الفقهاء إلى زمن الشّيخ رحمهالله على ثبوت الإجزاء وإنّما وقع الخلاف فيه من زمنه حتّى أنّ بعضهم قد أفرط فإدّعى استحالته ( انتهى موضع الحاجة من كلامه ) (٢).
والدليل عليه ( بعد أن كان محلّ النزاع أوّلاً ما اذا كانت الأوامر الظاهريّة أوامر مولويّة ، وثانياً ما إذا لم تقم قرينة على عدم حصول غرض المولى بالمأمور به ، أي على عدم الإجزاء ) أنّه هو الظاهر عرفاً من أمر المولى بالمأمور به الظاهري ، فإنّه إذا أمر المولى عبده بشيء في
__________________
(١) تهذيب الاصول : ج ١ ، ص ١٤٦ ـ ١٤٧ ، طبع مهر.
(٢) نهاية الاصول : ص ١٢٩.