فقال بالإجزاء في المتعلّقات دون الأحكام ، واستدلّ له بامور : منها : أنّ واقعة واحدة ومتعلّقاً واحداً لا تتحمّل اجتهادين (١) ، والظاهر أنّ مراده من المتعلّق هو متعلّق الحكم نظير ما مرّ من مثال فري الأوداج الأربعة أو إجراء عقد النكاح بالصيغة الفارسيّة.
وفيه : أنّه دعوى بلا دليل كما أشار إليه صاحب الكفاية في مبحث الاجتهاد والتقليد ، فقال : « ولم يعلم وجه للتفصيل بينهما كما في الفصول وإنّ المتعلّقات لا تتحمّل اجتهادين بخلاف الأحكام إلاّحسبان أنّ الأحكام قابلة للتغيّر والتبدّل ، بخلاف المتعلّقات والموضوعات ، وأنت خبير بأنّ الواقع واحد فيهما وقد عيّن أوّلاً بما ظهر خطأه ثانياً ».
هذا تمام الكلام في المقام الثالث من مبحث الإجزاء.
ويتصوّر فيما إذا قطع بالأمر ثمّ انكشف خلافه فقطع مثلاً بدخول وقت الصّلاة أو بجهة القبلة ثمّ انكشف الخلاف ( هذا في الشبهات الموضوعيّة ) أو قطع بوجود الإجماع على وجوب صلاة الجمعة ثمّ انكشف عدمه ( هذا في الشبهات الحكمية ) فيبحث في أنّه هل يكون قطعه هذا مجزياً عن الأعمال المأتي بها على طبقه أو لا؟
لا إشكال في عدم الإجزاء لأنّ جميع الوجوه المذكورة في إثبات الإجزاء فيما سبق لا يأتي شيء منها في المقام ، أمّا ما اختاره صاحب الكفاية بالنسبة إلى خصوص الاصول العمليّة من حكومة أدلّتها على الأوامر الواقعيّة ( وقد مرّ كلامه في ابتداء المقام الثالث ) فلأنّ المفروض في المقام أنّه لم يقم أصل على الحكم حتّى يكون دليله حاكماً مجزياً ، وأمّا ما اخترناه من أنّ الإجزاء من اللوازم العرفيّة لأمر المولى فلأنّه لا أمر من ناحية المولى الشارع في المقام على حجّية القطع بل حجّيته ذاتيّة وبحكم العقل ، وهكذا ما مرّ في تبدّل رأي المجتهد من أنّه لا إطلاق لأدلّة حجّية رأي المجتهد بالنسبة إلى الأعمال السابقة حيث إنّه أيضاً يتصوّر فيما إذا قامت أمارة أو أصل على الحجّية وكان لها إطلاق لفظي.
لكن مع ذلك كلّه يستثنى منها موارد تكون خارجة عنها خروجاً موضوعياً على نحو الإستثناء المنقطع :
__________________
(١) راجع الفصول فصل رجوع المجتهد عن الفتوى ، ص ٤٠٩ ، والكفاية : ج ٢ ، ص ٤٣٣ ، الطبع القديم ، حاشية المشكيني حيث نقل ملخّص أدلّة الفصول على مدّعاه.