القول باتّصاف الأجزاء بالوجوب الغيري والقول بعدم اتّصافها به في مسألة دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر الارتباطيين بدعوى أنّه على القول الأوّل لا ينحلّ العلم الإجمالي بوجوب أحدهما بالعلم التفصيلي بوجوب الأقلّ ، وذلك لأنّ مناط الانحلال هو انطباق المعلوم بالإجمال على المعلوم بالتفصيل على كلّ تقدير ، وبما أنّ في المقام لا ينطبق كذلك باعتبار أنّ المعلوم بالإجمال هو الوجوب النفسي ، والمعلوم بالتفصيل هو الجامع بين الوجوب الغيري والنفسي ، فلا انحلال في البين ، وعلى القول الثاني ينحلّ إلى العلم التفصيلي بوجوب نفسي متعلّق بذات الأقلّ ( وهي المركّب من تسعة أجزاء مثلاً ) والشكّ البدوي في اعتبار أمر زائد ، وعندئذٍ فلا مانع من الرجوع إلى أصالة البراءة عن وجوب الزائد » (١).
أقول : إنّ الأجزاء واجبة بالوجوب النفسي الضمني سواء كانت متّصفة بالوجوب الغيري أيضاً أم لا ، فتجري البراءة عن الأكثر على أيّ حال : ولا صلة لها باتّصاف القدر المتيقّن من الأجزاء بالوجوب الغيري وعدم اتّصافه.
وإن شئت قلت : الوجوب الضمني ثابت على أيّ حال : وهو السبب للانحلال ، فوجود الوجوب الغيري وعدمه هنا سيّان.
هذا كلّه في التقسيم الأوّل للمقدّمة.
والعقليّة مثل العلّة بالنسبة إلى المعلول ، والشرعيّة مثل الوضوء بالنسبة إلى الصّلاة ، والعاديّة كنصب السلّم للكون على السطح أو حفر البئر للوصول إلى الماء للوضوء والغسل ، والمهمّ في هذا التقسيم هو أن نعلم أنّ جميعها داخلة في محلّ النزاع أم لا؟ وأنّه هل يكون للتوقّف ( أي توقّف ذي المقدّمة على المقدّمة ) في جميع هذه الثلاثة معنى واحد ، أو يكون له في كلّ واحدة منها معنى على حده؟
والصحيح أنّ للتوقّف مفهوماً واحداً إلاّ أنّ الكاشف عنه تارةً يكون هو العقل واخرى الشرع وثالثة العادة ، كما أنّ الصحيح دخول جميعها في محلّ النزاع ، وذلك لأنّ المقدّمة الشرعيّة
__________________
(١) المحاضرات : ج ٢ ص ٣٠١.