والعاديّة ترجعان في الواقع إلى المقدّمة العقليّة ، والتفاوت بينهما أنّ الشرعيّة كشف عنها الشارع ، والعاديّة يكون ممّا لا بدّ منها بحسب العادة فهي من هذه الجهة عقليّة.
وتعريف كلّ واحد منها واضح وكذلك مثاله الشرعي أو العرفي ، إنّما الكلام في دخول كلّ منها في محلّ النزاع وعدمه.
فلا إشكال في دخول إثنان منها فيه ، وهما مقدّمة الوجود ومقدّمة الصحّة.
أمّا مقدّمة الوجود : فهي القدر المتيقّن منها ، حيث إنّ أصل النزاع في مقدّمة الواجب إنّما هو فيما يتوقّف على وجوده وجود ذي المقدّمة ، فكيف لا تكون مقدّمة الوجود داخلة فيه؟
وأمّا مقدّمة الصحّة : فلرجوعها إلى مقدّمة الوجود حتّى على القول بالأعمّ ، لأنّ الواجب والمأمور به بأمر المولى إنّما هو الصحيح من العمل ولا إشكال في توقّفه على مقدّمة الصحّة وإن لم يتوقّف المسمّى عليها كما صرّح به المحقّق الخراساني رحمهالله.
وأمّا مقدّمة الوجوب : فمن المعلوم خروجها عن محل النزاع ، إذ قبل تحقّق مقدّمة الوجوب لا وجوب للواجب حتّى يقع البحث في ترشّح الوجوب منه إلى مقدّماته ، وبعد تحقّقها لا معنى لترشّح الوجوب من الواجب إليها لأنّه تحصيل للحاصل.
وأمّا مقدّمة العلم : فقد يقال أنّ وجوبها ليس من باب الملازمة وترشّح الأمر الغيري من ذي المقدّمة إلى المقدّمة ، وذلك لعدم توقّف وجوب الواجب عليها كي يستقلّ العقل بالملازمة بين وجوب الشيء ووجوب ما يتوقّف عليه وجوده ، بل المتوقّف عليها هو العلم بالواجب ، وذلك لإمكان حصول الواجب بدونها صدفة كما إذا غسل يده ولم يغسل شيئاً يسيراً ممّا فوق المرفق وقد صادف المقدار الواجب ، أو صلّى إلى إحدى الجهات الأربع ولم يصلّ إلى سائر الجهات وقد صادفت القبلة الواقعيّة ، وعليه ظهر أنّ وجوبها كان من باب استقلال العقل به تحصيلاً للأمن من العقوبة لا من باب الملازمة كما ظهر خروجها عن محلّ النزاع حتماً.
وببيان آخر : « لا شبهة في خروجها عن مورد البحث ، وذلك لأنّ الصّلاة التي وقعت إلى القبلة في المثال هي نفس الواجب وليست مقدّمة له ، وأمّا غيرها فهي مغايرة للواجب ولا