تكون مقدّمة له وإنّما هي مقدّمة لحصول العلم بالواجب وفراغ الذمّة والأمن من العقاب » (١) ، هذا ما ذكره بعض الأعلام وهكذا غيره من سائر الأعلام ، فقد أرسلوا المسألة إرسال المسلّمات ، بل لم يعنونوها غالباً بزعم أنّ خروجها عن محلّ النزاع واضح.
ولكن مع ذلك كلّه فالحقّ عندنا أنّها داخلة في محلّ النزاع وذلك لرجوعها أيضاً إلى مقدّمة الوجود ، فإنّ المكلّف في المثال المزبور لا يكون قادراً على إتيان الواجب وإيجاده في الخارج إلاّ بإتيان جميع أطراف العلم الإجمالي كما أنّ المولى إذا أمر عبده مثلاً بجلب سارق اختفى في إحدى هذه البيوت العشرة والعبد يعلم إجمالاً بإختفائه فيها ، فلا إشكال في أنّ العبد ليس بقادر على جلب السارق إلاّبالبحث عنه في تلك البيوت ويعدّ عمله هذا عرفاً من مقدّمات امتثاله وإيجاد المأمور به في الخارج ، كذلك في الامور الشرعيّة ، فإنّ المكلّف بالصّلاة في المثال المزبور لا يكون قادراً على إتيانها إلاّبإيجادها إلى الجهات الأربع ، ويكون إتيان الصّلاة إلى جميع هذه الجهات مقدّمة للإتيان بالصّلاة المأمور بها في الخارج ، نعم قد تصادف الصّلاة الاولى للقبلة ولكن هذا أمر خارج عن اختيار المكلّف لا يتعلّق به التكليف ، ولذا لا يمكن للمولى أمره بخصوص ما يصادف في أوّل مرّة ، فلا يمكن تكليف العبد بتحصيل المأمور به إلاّ من طريق أربع صلوات. وبهذا يكون مردّ المقدّمة العلمية إلى مقدّمة الوجود ، أي أنها تعدّ مقدّمة العلم بلحاظ معيّن ومقدّمة الوجود بلحاظ آخر ، فتكون حينئذ داخلة في محلّ النزاع.
والمقارن نظير القبلة والطهارة بالنسبة إلى الصّلاة ، والمتقدّم نظير عقد الوصيّة بالنسبة إلى ملك الموصى له ، والمتأخّر نحو الأغسال الليلية بالإضافة إلى صحّة صيام المستحاضة في اليوم الماضي عند بعض.
واستشكل في المتأخّر والمتقدّم بأنّ العلّة التامّة يجب عقلاً أن تكون مقارنة زماناً للمعلول وإن كانت مقدّمة عليه رتبة ، إذ لا يعقل التفكيك بينهما في الزمان ، هذا من جانب ، ومن جانب آخر إنّا نشاهد أمثلة لهما في الشرع المقدّس كالأمثلة المزبورة كما نشاهدها في العرفيات نظير
__________________
(١) المحاضرات : ج ٢ ، ص ٣٠٣.