الثالث : سلّمنا جريانها في الواحد الاعتباري أيضاً لكنّا لا نسلّم جريانها فيما يتركّب من الامور الوجوديّة والعدميّة ، أو من الوجوديّات التي يكون كلّ واحد منها داخلاً في إحدى المقولات التسع العرضيّة التي هي من الأجناس العالية ، وليس فوقها جنس ، وذلك لعدم إمكان تصوير جامع بين الوجود والعدم وبين الأجناس العالية.
مثال القسم الأوّل : علم الفقه ( الذي يعدّ غاية لعلم الاصول ) حيث إنّ بعض موضوعات مسائله وجودي كالصّلاة وبعضها عدمي كالصوم ، ومثال القسم الثاني : الصّلاة التي تتركّب من مقولة الوضع ومقولة الكيف المسموع وهكذا ...
الرابع : أنّه لا يحصل الغرض في كلّ علم من خصوص موضوعات مسائله ، بل يحصل من النسبة الموجودة بين الموضوع والمحمول ، مثلاً الغرض من علم الفقه الذي هو عبارة عن العلم بأحكام الصّلاة والصّوم وغيرهما لا يحصل من موضوع « الصّلاة » أو « الصّوم » حتّى
__________________
لسلامة البدن ، وهكذا اعتبار قوانين المرور مثلاً فانّه يوجب انقداح إرادة مراعاتها ، والمراعاة الخارجيّة توجب حفظ النفوس والأموال ، كلّ ذلك للعلم بأنّ العقلاء يرتّبون آثاراً خاصّة على هذا الوجود الاعتباري ، أو إنّ الشارع المقدّس يرتّب عليه آثاراً مختلفة ، ففي الواقع باعث الحركة الخارجيّة هو الآثار التكوينيّة التي نعلم بترتّبها على تلك الامور الاعتباريّة من ناحية الشارع أو العقلاء في الحال أو المستقبل ، وحينئذ يكون الباعث لحدوث أمر تكويني في الخارج في الحقيقة هو أمر تكويني سابق عليه لا الاعتبار الذهني.
إذا عرفت هذا كلّه فنقول : إنّ من أقسام الامور الاعتباريّة التشريعيات التي منها مسائل الفقه ( أو الحقوق ) وهكذا اصول الفقه فلا سبيل إليها للقواعد المنطقية والفلسفية الجارية في خصوص الحقائق الخارجيّة كقاعدة الواحد أو أحكام العرض والمعروض ( بأن يقال : الصّلاة مثلاً معروض والوجوب عرض ) أو استحالة اجتماع الضدّين ( بأن يقال مثلاً : اجتماع الأمر والنهي محال لاستحالة اجتماع الضدّين ).
نعم اجتماع الضدّين وأشباهه باطل في الامور الاعتباريّة لكن لا من جهة الاستحالة بل من باب كون اعتبارها لغواً ، واللغويّة شيء والاستحالة شيء آخر.
والإنصاف أنّ الخلط بين المسائل الاعتباريّة والامور الحقيقيّة وإدخال الثانيّة في الاولى أورد ضربة شديدة على مسائل علم الاصول بل مسائل الفقه أيضاً ، كما أنّ إدخال الاولى في الثانيّة وتصوّر إنّه لا حقيقة مطلقة في الخارج بل جميع الامور حقائق نسبيّة ( كما توهّمه النسبيّون من الفلاسفة المادّيين ) أوجب إرباكاً عظيماً في مسائل الفلسفة.
وبالجملة فإنّ قاعدة الواحد لا ربط لها بالعلوم الاعتباريّة التي منها علم الاصول بل لا دخل لها حتّى في العلوم الحقيقيّة كعلم الطبّ لأنّ وحدة مسائل كلّ علم أمر اعتباري وإن كانت موضوعات مسائله اموراً واقعية خارجيّة.