حارّة » قضيّة حقيقيّة صادقة مع عدم وجود نار في الخارج بل عدم وجود معدّاتها وأسبابها وليس ذلك إلاّلأنّها راجعة إلى قضيّة شرطيّة ، أي « كلّما وجد في الخارج شيء وكان ناراً فهي حارّة » فأوّلاً فرض وجود نار في الخارج ثمّ حكم عليها بأنّها حارّة ، وهذا هو مراد من قال : إنّ عقد الوضع في القضايا الحقيقية يرجع إلى القضايا الشرطيّة ، أي يوجد بين القضيّة الحقيقية والشرطيّة قرابة وشباهة ، حيث إنّ كلاً منهما حكم على فرض ، لا أنّ كلّ شرط يرجع إلى قيد الموضوع كما ذهب إليه المحقّق النائيني رحمهالله بل أنّه قيّد للحكم كما هو ظاهر القضيّة الشرطيّة.
فتلخّص من جميع ما ذكرنا أنّ الحقّ مع المشهور وأنّ القيود في القضايا الشرطيّة راجعة إلى الهيئة لا إلى المادّة خلافاً لما نسب إلى الشّيخ الأعظم الأنصاري رحمهالله.
بقي هنا امور :
من الواضح أنّ الثمرة في هذا النزاع تظهر في تحصيل المقدّمات المفوّتة كتهيئة الزاد والراحلة وأخذ الجوازات بالنسبة إلى الحجّ ، فبناءً على مذاق المشهور لا دليل على وجوبها لعدم وجوب ذي المقدّمة على الفرض ، وأمّا على المبنى المنسوب إلى الشّيخ الأعظم رحمهالله فتحصيلها واجب قبل مجيء زمان الواجب ، فيجب مثلاً حفظ الماء قبل مجيء وقت الصّلاة إذا كان تحصيل الطهارة بعد مجيء وقت الصّلاة متوقّفاً عليه ، وكذلك تحصيل مقدّمات السفر إلى الحجّ بعد حصول الاستطاعة وقبل الموسم.
نعم ربّما يجب تحصيل المقدّمات حتّى على مبنى المشهور ، وهو ما إذا علمنا بفوت غرض المولى في صورة عدم تحصيل المقدّمات ، فإنّ العقل يحكم حينئذ بحفظ غرض المولى لمكان حقّ الطاعة والمولويّة ، كما إذا علم العبد بأنّه لو لم يحفظ الماء الآن يبقى المولى عطشاناً في المستقبل ، فلا إشكال في أنّه لو لم يحفظ الماء وصار المولى عطشاناً صار مستحقّاً للملامة والمؤاخذة ، وفي الشرعيات نظير ما إذا علمنا ببعض القرائن مثلاً بإهتمام الشارع بالصّلاة مع الطهارة المائيّة وأنّ غرضه منها لا يحصل بغيرها ، فيحكم العقل بحفظ الماء ولو قبل مجيء زمان وجوب الصّلاة.