دواعي لأوامره ، وحينئذ لا يعقل تكليف العباد بتحصيلها ولا محالة تكون فوق دائرة الأمر لا تحته.
ويشهد لما ذكرنا امور :
الأمر الأوّل : ما اشير إليه من أنّ العبد غالباً يكون جاهلاً بتفاصيل المصالح التي تترتّب على الأحكام ، فهو يعلم إجمالاً بوجود رابطة بين الصّلاة مثلاً والنهي عن الفحشاء وإنّ الصّيام جنّة من النار ، وأمّا الجزئيات والخصوصيّات فهي مجهولة له بل قد لا يعلم بعض المصالح لا تفصيلاً ولا إجمالاً كجعل صلاة الصبح ركعتين ، هذا مضافاً إلى كون المصلحة في كثير من مواردها ليست دائمية وبمنزلة العلّة بل بصورة الأغلبية وبمثابة الحكمة كعدم اختلاط المياه في وجوب الأخذ بالعدّة.
الأمر الثاني : أنّ المصلحة قد تكون في نفس الأمر والإنشاء ولا مصلحة في متعلّقه كما في الأوامر الامتحانيّة في الشرع ونظير الأوامر التي تصدر من جانب الموالي العرفيّة أو الامراء عند نصبهم لمجرّد تثبيت المولويّة أو الأمارة.
الأمر الثالث : أنّ المصلحة قد لا تترتّب على فعل مكلّف خاصّ حتّى يؤمر بتحصيلها بل أنّها تترتّب على أفعال جماعة من المكلّفين بل قد تترتّب على أفعال أجيال منهم نظير أمر الإمام عليهالسلام في تلك الرّواية المعروفة بكتابة الأحاديث للأجيال القادمة في غيبة الإمام عليهالسلام ، فإنّ المصلحة التي تترتّب على هذا الأمر تظهر بعد مضيّ مدّة طويلة من الزمان ، نسلاً بعد نسل ، وجماعة بعد جماعة.
نعم مع ذلك كلّه قد يبيّن المولى شيئاً من المصالح لمجرّد تشويق العباد وإيجاد الرغبة والداعي فيهم إلى إتيان التكاليف نظير قوله تعالى « إنّ الصّلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر » ونظير جميع الرّوايات التي وردت في باب علل الشرائع.
إن قلت : إن لم تكن المصالح داخلة في دائرة الحكم الشرعي للمكلّف فكيف يقال بوجوب حفظ الغرض في كلماتهم كما مرّ كراراً في الأبحاث السابقة؟
قلنا : المراد من الغرض الواجب تحصيله في هذا التعبير إنّما هو نفس المأمور به قبل تعلّق الأمر به أو شبه ذلك لا الآثار والمصالح المترتّبة عليه ، فالغرض من الحجّ مثلاً ( الذي تمسّكنا في إثبات وجوب مقدّماته المفوتة فيه من قبيل تهيئة الزاد والراحلة بوجوب حفظ الغرض ) إنّما