هو نفس مناسك الحجّ التي لا يرضى الشارع بتركها لا ما يتربّ عليها من المصالح.
وممّا ذكرنا ظهر أنّ تعريف المشهور للواجب النفسي والغيري ممّا لا غبار عليه ، وإنّ ما اورد عليه من الإشكال المعروف ليس بوارد ، فالواجب النفسي هو ما أمر به لنفسه ، والغيري ما أمر به للوصول إلى واجب آخر.
ثمّ إنّه إذا شكّ في واجب أنّه نفسي أو غيري كما إذا شكّ في أنّ غسل الجنابة واجب نفسي مطلوب لنفسه أو أنّه واجب لأجل واجب آخر كالصّلاة والصّيام؟ فما هو مقتضى الأصل اللّفظي والعملي؟
وقد مرّ إجمال البحث عنه في الفصل الخامس من مبحث الأوامر ، وقلنا هناك أنّ موضعه الأصلي هو البحث في تقسيمات الواجب :
فنقول : أمّا الأصل اللّفظي فقد ذهب المحقّق الخراساني رحمهالله إلى أنّ مقتضى إطلاق صيغة الأمر كون الواجب نفسياً لا غيريّاً ، لأنّه لو كان شرطاً لغيره لوجب التنبيه عليه على المتكلّم الحكيم في مقام البيان.
وقد أورد عليه أوّلاً : إنّ الصيغة موضوعة لمصاديق الطلب الحقيقي المنقدح في نفس الطالب لا لمفهوم الطلب فإنّ الفعل لا يتّصف بالمطلوبيّة إلاّبواسطة تعلّق واقع الإرادة وحقيقتها عليه لا بواسطة مفهومها ، ومن المعلوم أنّ الفرد من الطلب الحقيقي المنقدح في نفس الطالب جزئي لا يعقل فيه التقييد والإطلاق ، فلا معنى للتمسّك بإطلاق الصيغة لكون الواجب نفسياً لا غيريّاً (١).
ولكن اجيب عنه : إنّ مفاد الهيئة ليس الأفراد بل هو مفهوم الطلب لأنّ الطلب الحقيقي من الصفات الخارجيّة كالشجاعة والجود ونحوهما لا الامور الاعتباريّة كالزوجيّة والملكيّة وغيرهما ممّا يقبل الإنشاء بالصيغة ( نعم إنّ منشأ الطلب الإنشائي ربّما يكون هو الطلب الحقيقي ) ومن المعلوم أنّ مفهوم الطلب الإنشائي ممّا يقبل التقييد والإطلاق ، فقد وقع الخلط بين المفهوم والمصداق.
أقول : يرد عليه ما مرّ في اتّحاد الإرادة والطلب من أنّ الطلب ليس قائماً بالنفس بل القائم
__________________
(١) مطارح الأنظار : ص ٦٧ ، الهداية : ١١ من وجوب مقدّمة الواجب.