والتعبير بالفضل مختصّ بمرتبة اخرى وليس على أساس العمل مباشرة.
ومع ذلك كلّه فالأصل في كلّ واحد منهما إنّما هو رحمة الربّ لا سعي العبد فلا يكون مقدارهما بمقدار العمل ، « وما قدر أعمالنا في جنب كرمك ، وكيف نستكثر أعمالاً نقابل بها كرمك » (١).
نعم أنّه مع حفظ النسبة بين أعمال العباد أنفسهم.
وما ذكرنا في المقام هو أحد طرق الجمع بين ما ورد في باب ثواب الأعمال التي يكون بعضها معارضاً بحسب الظاهر مع بعض آخر في تعيين مقدار الثواب حيث يكون الدالّ على الثواب الأكثر مشيراً إلى مرتبة الأجر والفضل معاً ويكون الدالّ على الأقلّ مشيراً إلى خصوص مرتبة الأجر فقط ، فتأمّل جيّداً.
حكي في تهذيب الاصول آراء ثلاثة في كيفية الثواب والعقاب الاخرويين :
أحدها : أنّهما من لوازم الأعمال بمعنى أنّ الأعمال الحسنة والأفعال القبيحة في الدنيا تورث استعداداً للنفس حقيقة ، به يقتدر على إنشاء صور غيبية بهيئة من الحور والقصور وكذا في جانب الأعمال السيّئة.
ثانيها : الأخذ بظواهر الآيات والأخبار وهي أنّهما من المجعولات كالجزاءات العرفيّة في الحكومات والسياسيات.
ثالثها : أنّ الثواب والعقاب بالاستحقاق وإنّ العبد يستحقّ من عند ربّه جزاء العمل إذا أطاع أو عصى ، ولا يجوز له تعالى التخلّف عنه عقلاً في الطاعة وأمّا جزاء السيّئة فيجوز له العفو.
ثمّ أخذ في تحليل هذه الآراء وقال : « إنّ ترتّب الثواب والعقاب على المسلك الأوّل أمر مستور لنا ، إذ لا نعلم أنّ النفس بالطاعات والقربات تستعدّ لانشاء الصور الغيبية وإيجادها ، وعلى فرض العلم بصحّته إجمالاً فالعلم بخصوصّياتها وتناسب الأفعال وصورها الغيبية ممّا لا
__________________
(١) من دعاء أبي حمزة الثمالي.