كذلك تمايز العلوم واختلاف بعضها يكون بذاتها فقضايا كلّ علم مختلفة ومتميّزة بذواتها عن قضايا علم آخر » (١).
أقول : الإنصاف أنّ جميع هذه الأقوال لا يخلو من الإشكال ، والأولى أن يقال : إنّ تمايز العلوم كوحدتها قد يكون بالموضوعات واخرى بالمحمولات وثالثة بالأغراض وذلك لما مرّ في البحث عن ملاك الوحدة من تحليل تاريخي لتدوين العلوم وتأليفها ، فقد ذكرنا فيه أنّ ملاك وضع كلّ علم على حدة وتمييزه عن سائر العلوم هو وجود التناسب والتناسخ بين مسائله ودخولها تحت عنوان جامع ، ولا إشكال في أنّ تناسب المسائل قد يكون بوحدة الموضوع واخرى بوحدة المحمول وثالثة بوحدة الغرض فليكن التمايز أيضاً كذلك كما لا يخفى.
وأمّا مقالة المشهور فلا يتصوّر لها دليل إلاّتوهّم احتياج كلّ علم إلى موضوع لقاعدة الواحد ، وقد مرّت المناقشة فيها. ومنه يظهر إشكال القول الثالث حيث إنّه مبني على قبول أن يكون تمايز العلوم بتمايز الموضوعات.
وأمّا ما ذهب إليه المحقّق الخراساني رحمهالله فيرد على دليله الثاني أنّ تداخل علمين في عدّة من مسائلهما لا يضرّ بتمايز أحدهما عن الآخر إذا كانت النسبة بين مسائلهما العموم من وجه ، لأنّ التمايز حينئذٍ يحصل بموضع الافتراق كما لا يخفى.
كما يرد على دليله الأوّل أنّ القائل بكون التمايز بالموضوعات يدّعي أنّ تمايز العلوم يكون بتمايز الموضوعات لا العكس ( وهو أنّ كلّ متمايز بموضوعه يكون علماً على حدة ).
وأمّا ما أفاده في تهذيب الاصول فيرد عليه أنّ ذوات العلوم ليست أمراً خارجاً عن مسائلها لأنّه لا ريب في أنّ مسائلها عبارة عن القضايا المبحوثة عنها فيها ، والقضايا ليست أمراً وراء الموضوعات والمحمولات والنسب بينهما ، فذوات العلوم عين موضوعاتها ومحمولاتها ونسبها ، فلابدّ أن يكون التمايز بأحد هذه الامور أو بالأغراض.
وهو عند جماعة من الأصحاب ( منهم صاحب القوانين ) الأدلّة الأربعة ، والظاهر من
__________________
(١) تهذيب الاصول : ج ١ ، ص ٤ ، من الطبع القديم.