البحث عن الموضوعات الخارجيّة لا يعدّ مسألة فقهيّة وإن كان لنا كلام فيه في محلّه إجمالاً.
وقد أورد عليه ثانياً : بأنّ البرء وعدمه تابعان لقصد الناذر ، ولكن يمكن الجواب عنه بأنّه ربّما يقصد الناذر ما يصدق عليه عنوان الواجب مهما كان ، ولا إشكال في أنّه حينئذٍ إن قلنا بوجوب المقدّمة يحصل البرء بإتيانها أيضاً وإلاّ فلا.
الثمرة الثانيّة : أنّه على القول بوجوب المقدّمة لا يجوز أخذ الاجرة على المقدّمة لحرمة أخذ الاجرة على الواجبات ، بخلاف ما إذ لم نقل بوجوبها فيجوز أخذها عليها.
ويرد عليه أيضاً : أنّه ليس ثمرة اصوليّة ، فإنّ جواز أخذ الاجرة على المقدّمة أو عدمه حكم جزئي يستنبط من كبرى فقهيّة ، وهي عدم جواز أخذ الاجرة على الواجبات.
واستشكل عليه أيضاً : بأنّ أخذ الاجرة على الواجب لا بأس به ، وتوضيح ذلك أنّ عمل الإنسان تارةً : يرجع نفعه إلى نفسه فحسب كما إذا أتى بواجب توصّلي لا نفع فيه للغير ، فلا إشكال في عدم جواز أخذ الاجرة عليه من الغير لعدم الفائدة فيه للغير ، فيكون سفهيّاً وهو خارج عن محلّ البحث ، واخرى : يرجع نفعه إلى الغير ولكنّه عمل عبادي كما إذا أتى بصلاة أو صوم للغير ، فيمكن أن يقال أيضاً بعدم جواز أخذ الاجرة عليه من باب منافاته مع قصد القربة ، وهذا أيضاً خارج عن محلّ الكلام ، وثالثة : يكون العمل من التوصّليات ويرجعه نفعه إلى الغير أيضاً كتطهير المسجد الذي يوجب سقوط وجوبه عن الغير فإنّ هذا هو محلّ الكلام ، فذهب المحقّق الخراساني رحمهالله وكثير من الأعلام إلى جواز أخذ الاجرة عليه لعدم جريان إشكال السفاهة ولا إشكال قصد القربة فيه ، وأمّا ثبوت عدم جوازه في بعض الواجبات بل في بعض المستحبّات فهو من باب أدلّة خاصّة تدلّ على لزوم إتيانه مجّاناً كما في تجهيز الميّت أو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أو الأذان ، وإلاّ لو لم تثبت المجّانيّة فلا إشكال في جواز أخذ الاجرة.
أقول : قد ذكرنا في محلّه في المكاسب المحرّمة عدم جواز أخذ الاجرة حتّى في مثل المقام ، لأنّ ذلك ينافي الوجوب ، لأنّ معنى وجوب شيء كونه وظيفة على العبد ، ويوجد عند العرف والعقلاء نوع تضادّ بين أداء الوظيفة وأخذ الاجرة ، ويعدّ أخذ الاجرة على إتيان الوظيفة باطلاً عندهم ، فيكون أكل المال به أكلاً للمال بالباطل ، وبذلك يصدق موضوع قوله تعالى : ( لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ ) بل لعلّ هذا هو دليل من قال بالمجّانيّة وحرمة أخذ الاجرة في