ولكن الإنصاف أنّه في غير محلّه لأنّه أوّلاً : إنّ اللغويّة على تقدير لزومها تختصّ بما إذا كان وجوب المقدّمة ملازماً لجعل الشارع واعتباره إيّاه حيث يقال حينئذٍ : لا حاجة إلى جعله واعتباره من جانب الشارع مع وجود اللابدّية العقليّة ، ولكن الملازمة ممنوعة ، لأنّه يكفي في وجوب شيء في الواقع كونه محبوباً للمولى ومتعلّقاً لشوقه وإرادته واقعاً ، وهو حاصل في ما نحن فيه ، وبعبارة اخرى : اللغو في المقام إنّما هو جعل الحكم واعتباره ، ولا حاجة إليه في إثبات الوجوب الشرعي لكفاية إحراز الملاك في ذلك.
وثانياً : اللغويّة ممنوعة جدّاً ، لما عرفت من كفاية كونه تأكيداً ، فكم من واجب شرعي يكون تأكيداً في واجب عقلي!
بقي هنا امور :
ما ذكرنا من الوجوه الأربعة لإثبات وجوب المقدّمة آنفاً لا ينافي مفاد التامّ منها ـ وهو الثلاثة الاولى ـ ما اخترناه سابقاً من وجوب المقدّمة الموصلة ، أمّا دليل الوجدان فلأنّه حاكم على أنّ الإنسان المريد لإتيان ذي المقدّمة إنّما يريد مقدّماته لايصالها إلى ذيها كما لا يخفى ، وأمّا الأوامر الغيريّة الواردة في لسان الشرع فالقدر المتيقّن منها أيضاً وجوب الموصل من المقدّمات ، فالقدر المتيقّن من مفاد قوله تعالى : ( فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ ) إنّما هو وجوب السعي الموصل إلى ذكر الله لا مطلق السعي ، وأمّا مقايسة التشريع بالتكوين فكذلك ، لأنّ المباشر لذي المقدّمة في الإرادة التكوينيّة إنّما يريد المقدّمات التي توصل إلى ذيها ، وهو واضح فليكن كذلك في الإرادة التشريعيّة.
أضف إلى ذلك ما مرّ بالنسبة إلى المقدّمة المحرّمة للواجبات حيث قلنا هناك أنّ حرمة المقدّمة إنّما ترتفع فيما إذا كانت المقدّمة موصلة فقط ، فكذلك في غيرها.
التفصيل الأوّل : التفصيل بين السبب وغيره ، بمعنى أنّ المقدّمة إذا كانت من الأسباب