٤ ـ مرحلة الامتثال.
وفي الحقيقة أنّ المرحلة الاولى خارجة عن حقيقة الحكم كالمرحلة الرابعة ، فإنّه لا إشكال في أنّ المصلحة من مبادىء الحكم لا من مراتب نفس الحكم ، كما أنّ الامتثال مرحلة متأخّرة عن الحكم ، فالمراتب الحقيقية للحكم عبارة عن مرحلة الإنشاء ومرحلة الفعليّة ، وعدّ غيرهما من مراتبه إنّما هو من باب التوسعة.
وعلى أيّ حال لا معنى للمضادّة والمطاردة بين الضدّين بالنسبة إلى المرحلة الاولى لأنّه يمكن أن يكون لكلّ من الضدّين مصلحة غير مصلحة الآخر ، فكما أنّ انقاذ ابن المولى يكون ذا مصلحة ـ يكون انقاذ عبده أيضاً ذا مصلحة إلاّ أنّ الأولى أهمّ والثانيّة مهمّ ، بل أنّه لازم معنى التزاحم بين الأمرين ، فلو لم يكن لكلّ منهما مصلحة لم يقع بينهما تزاحم بل أنّ أكثر الامور مشتملة على مصالح متزاحمة ، بعضها أهمّ من بعض وكذلك المرحلة الثانيّة أي مرحلة الإنشاء ، فإنّ إنشاء الأمر بالأهمّ لا ينافي إنشاء الأمر بالمهمّ مع قطع النظر عن مرحلة الامتثال ، وكذلك مرحلة الفعليّة لأنّه ما دام المولى لم يأمر في مرحلة الإنشاء بالجمع بين الحكمين في آنٍ واحد لم يلزم مضادّة في مرحلة الفعليّة بل الحكم الفعلي بالنسبة إلى الأهمّ إنّما هو فرد خاصّ معيّن لأنّه واجب مضيّق فوري ، وبالنسبة إلى المهمّ هو طبيعي الفعل كطبيعي الصّلاة الذي ينحلّ إلى أفراد عديدة بعدد آنات الوقت.
وإن شئت قلت : إنّ الأمر بالواجب الفوري ينحلّ إلى أوامر متعدّدة بتعدّد الآنات ، ففي كلّ آن إذا فرض العصيان كان الأمر بالأهمّ ساقطاً وصار المهمّ منجزاً ، وهكذا في الآن الثاني والثالث إلى آخر الآنات ، وعليه فلا يجتمع في آنٍ من الآنات أمران منجزان بفعلين متضادّين أصلاً.
وبهذا يظهر الحكم بالنسبة إلى المرحلة الرابعة ، لأنّ المولى إذا لم يأمر بالجمع بين الفعلين في مرحلة الإنشاء والفعليّة لم يجب على المكلّف إتيانهما في آنٍ واحد في مقام الامتثال فلا مضادّة بينهما في هذه المرحلة أيضاً.
هذا بالنسبة إلى الجواب عن الوجه الأوّل.
وهكذا الجواب عن الوجه الثاني وهو دليل الوجدان ، فإنّ مجرّد افتراض كون الأمر بالمهمّ إرشاديّاً في بعض الموارد لا يستلزم الإرشاديّة في سائر الموارد وهكذا رفع اليد عن الأمر